samedi 6 octobre 2012

لنلتفت إلى الأرياف!


"بوزيد قالت لالة بوزيد قالت لالة لبلاد حالة بحالة اتفرزت الرّجّالة،......
وليّام دالة بدالة بوزيد قالت لالة 
لحُقرة الرّجّالة العيشة مِذلالة والكذب عامل حالة.بوزيد قالت لالة 
لبلاد حالة بحالة،الفقر هد صحابة والجوع كشّر نابة يعضّ في النّهّابة والتّنمية الكذّابة.
بوزيد قالت لالة لبلاد حالة بحالة واتفرزت الرّجّالة،كي خرجت البطّالة هربت الدّجّالة،
ومازال هالجنوب يجيب في الرّجّالة."

بهذه الكلمات تغنى محمد بحر بمدينة سيدي بوزيد إحدى المدن التونسية المنسية و التي منها إنطلقت شرارة إنتفاضة 17 ديسمبرلتعلن بداية مرحلة جديدة في تاريخ النضال ضد الإستغلال و التهميش : مرحلة إستعادة الشعب لزمام المبادرة ليتأكد مرة أخرى أن الشعب و الشعب وحده هو صانع التاريخ.
إنطلقت إنتفاضة 17 ديسمبر من الأرياف حالها حال أغلب الإنتفاضات التي شهدها القطر التونسي مثل إنتفاضة الخبز في جانفي1984 و إنتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008. هناك حيث تظل تلك البؤر الثورية بمثابة الخزان الذي يتزود منه الوطن كلما إنخفض منسوب المقاومة ، و ذلك بسبب الحقد العنيف الذي تعود جذوره إلى عشرات السنين . حقد ولدته خيانة بورقيبة و أصحابه الذين ساوموا الإستعمار الفرنسي و قدموا التنازلات على حساب أبطال الحركة الوطنية و أداروا ظهرهم لدماء شهدائنا . و لو كانت جبال تلك الربوع تتكلم لحدثتنا عن إنتصارات المقاومين و هزائمهم و عن مسامراتهم الليلية...
لا تزال صورة إحدى النساء الحرائرفي منزل بوزيان (اللواتي أصبحن في عرف القادمين من أحياء لندن الراقية مجرد مكملات للرجل) ماثلة في ذاكرتي و هي تصرخ يوم 24 ديسمبرـ تاريخ سقوط أول شهيد في الإنتفاضة ـ قائلة أثناء إحدى المعارك مع قوات البوليس : " كيما خرجنا الإستعمار باش نخرجو الإستقلال" ، ربما لم يسعفها معجمها البسيط لتعبر بشكل جيد عن فكرتها التي تعني أننا مثلما ناضلنا ضد الإستعمار المباشر فسنواصل النضال ضد الإستعمار الجديد الغير مباشرفي إيحاء إلى الإستقلال الكاذب الذي لم ير منه أحفاد الدغباجي و الطاهر الأسود و الأزهر الشرايطي غير عصا الجلاد و إستغلال كبار الملاكين الإقطاعيين . لذلك فإنه ليس من الغريب أن تبقى تلك القرى شوكة في حلق العملاء القدامى و الجدد مدفوعين برغبتهم الجياشة في الثأر من الخونة الذين جعلوا من دماء المقاومين جسرا لمساوماتهم القذرة . الخونة الذين لم يكتفوا بسرقة أحلام ا لمفقرين بل سرقوا منهم حتى تسمية "مقاومين" و إستبدلوها باسم "الفلاقة" ، و "الفلاق" هو اللص الذي يسطو بالقوة على أملاك الناس . و كيف لا يكون الإحساس بالخيانة دافعا للتمرد و قد قال أحد الثوريين "إن خيانة الرفيق هي خيانة للقضية".
في يوم 24 ديسمبر2010 إستعمل النظام الرصاص الحي في قرية منزل بوزيان ضد المتظاهرين العزل لأول مرة منذ إندلاع الإحتجاجات في 17 ديسمبر 2010 ، حينها تسلح المتظاهرون بذكريات أجدادهم في المقاومة و صدحت حناجرهم بأحد أكثر الشعارات ثورية و تقدمية :"يسقط نظام السابع رجعي عميل و تابع ".و مما لا شك فيه أن هذا الشعار تردد صداه في قصر قرطاج فلم يكن أمام الجنرال الهارب إلا ان أعطى أوامره بوأد هذا الشعار قبل أن يسري كالنار في الهشيم ، لكن فات الأوان فقد تمت تلاوة القرار الشعبي الذي نص على إلقاء الجنرال العميل إلى مزبلة التاريخ ، وحين تصدر القرارات الشعبية فإنه لا يفيد معها دوي الرصاص و لا قذائف الدبابات . تحول الشعار يوم 14 جانفي في العاصمة إلى كلمة مفرغة من محتواها "DEGAGE"جعلت من رأس السلطة هدفا للإنتفاضة في حين إستهدفت الإحتجاجات النظام برمته من حيث تشكيلته الطبقية و إختياراته الإقتصادية المرتهنة للدوائر الإمبريالية و التي أدت إلى إرتفاع نسبة البطالة ، و لكن ثوار القصبة القادمين من البؤر الثورية الريفية أعادوا لشعار إسقاط النظام توهجه و لازالوا متمسكين به إلى اليوم . 
لم تتوقف الإحتجاجات منذ 17 ديسمبر و أخذت أشكالا مختلفة و تمكنت من تغيير شكل السلطة لكنها تظل عاجزة على إسقاط النظام بسبب غياب أسلحة الثورة . إن تشكيل قيادات ميدانية و لجان دفاع عن الإنتفاضة للإرتفاع بالوعي الطبقي للجماهير و ربط النضال المطلبي الإقتصادي بالنضال السياسي أصبح ضرورة ملحة إستعدادا للمحطات النضالية المقبلة ، فطالما لم تتغيرالظروف الإقتصادية و الإجتماعية التي كانت سببا في إندلاع إنتفاضة 17 ديسمبرفإن الأشكال الإحتجاجية ستأخذ أشكالا أكثر تطورا في مواجهة الطبقات الحاكمة . و من هذه الزاوية فإنه على العناصرالثورية أن تلتحم بالجماهير و تعمل على تأطير حركتها حتى لا يركب الإصلاحيون هذه النضالات وحتى لا يتم إعادة أخطاء الماضي القريب مثل اللهث وراء الحركة العفوية للمنتفضين و حتى تكون المقاومة على أرضية الشعار المركزي للإنتفاضة " الشعب يريد إسقاط النظام" و ليس مجرد تحقيق بعض المكاسب المؤقتة في ظل النظام القائم.
مازال أغلب السكان الذين يعتبرون سواء في حالة فقر مدقع او فقر نسبي يسكنون الارياف وتتراوح هذه النسبة بين % 80 او% 65 في الوطن العربي لذلك تمثل الأرياف إحتياطا ثوريا هائلا و لا يمكن إحداث التحولات الإجتماعية الكبرى دون المراهنة على هذا الجيش من الجماهير الفلاحية المسحوقة و تطوير أدائها النضالي .أما المؤتمرات و الصفقات التآمرية التي يعقدها الإصلاحيون و الإنتهازيون سعيا لتقاسم الحكم مع الرجعية و عملاء الإمبريالية فلا تصدر إلا الأوهام للجماهير و لا تساهم إلا في تأبيد واقع الإستغلال من خلال ترميم النظام ، و ستتحول أحزابهم تدريجيا إلى مرمى للثورة الإجتماعية.
لن تتحرر الطبقات المضطهدة إلا عبر أحزاب و جبهات تتبنى برنامجا ثوريا على المستوى الإقتصادي و السياسي و الثقافي و تكون الخطوة الأولى لتحقيقه حسم مسألة السلطة لصالح الشعب و القطع مع الإصلاحيين الذين يقول عنهم مظفر النواب :" وما زال لم يفهم الأغبياء. بأن الرصاص طريق الخلاص".