jeudi 19 février 2015

مات عبد الله بن عبد العزيز وبقي آل سعود

حين يقعُ الإنسان فريسةً لمِصيدَة الموت المتربِّصة بكلّ الأحياء و يُغادر الحياة ، يُثير موته ردَّات فِعل و أحاسيس متناقضة تَختلف باختلاف الموقع الذي يحتلُّه المُتلقّي لخبر الوفاة داخل دائرة العلاقات الاجتماعية و الإنسانيَّة للميِّت. فيحرِّك "الغياب الأبدي للرّاحل" مشاعر متنوّعة مثل الحزن أو الفرح أو الشماتة أو اللاّمبالاة...
و إذا كان الرَّاحل من الشّخصيات العامّة ( رسَّام ، مُغنِّي ، زعيم سياسي ، أديب ...) فإنَّ وقع موته يشمل المجتمع بكلّيته أو ربما الإنسانية قاطبة مثل خبر قتل أيقونة الثورة "تشي غيفارا". و قد لا تتَّخِذ الأحاسيس شكلا مجرَّدًا بل  يُحوِّلها النّاس في بعض الأحيان لأشكال تعبيريّة مرئيّة و مسموعة كالنّواح أو الزّغاريد أو التّظاهر .
وقد كانت جنازة الموهبة العابرة للزّمان و المكان كوكب الشّرق أمّ كلثوم و جنازة الزّعيم الوطني جمال عبد النّاصر من أعظم الجنازات في التّاريخ العربي المُعاصر . و كانتا شاهدتيْن عن حجم الفاجعة التي ألمّت بالجماهير العربية برحيل أسماء بذلك الثّقل . حين تتدفَّق أمواج بشريَّة في جنازات إحدى الشَّخصيات العامّة، مثل جنازة بومدين في الجزائر أو الشّهيد شكري بلعيد في تونس أو عبد الناصر في مصر ، فإنّ ذلك يعكس المكانة التي كانت تحضى بها هذه الشّخصيات لدى النّاس . مكانة ساهمت في نحتها إنجازاتهم و توجُّهاتهم التقدميّة المعادية للفكر الظلامي و للإستعمار و إنحيازهم للكادحين (بالرّغم من الأخطاء التي شابت تلك التجارب) . في المقابل هناك جنازات لشخصيَّات سياسيّة لا يُسمَع فيها هدير الجماهير، بل صوت هدير محرِّكات الطَّائرات الَّتي تنقل المسؤولين و صنَّاع القرار الدّولي لحُظُور مراسم التَّعزية الجافّة والبارِدة . خبر وفاة الملك عبد اللّه بن عبد العزيز كان من النّوع الثَّاني الذي تهتزّ له المؤسسات الرَّسميّة الدّوليّة ، و قد عِشنا سباقا محموما بين الرّؤساء  و الملوك العرب في عدد أيَّام الحِداد الَّتي يقرّرونها في بلدانهم و في التّغنِّي بفضائله  لكن ، وبالرُّغم من المجهودات الجبّارة المبذولة من أقلام آل سعود و إعلامهم لتصوير عبدالله بن عبد العزيز على أنّه زعيم عربيٌّ مُنقطِع النَّظير ، فإنّ الشُّعوب العربيّة لم "تهتزّ لها قصبة" لخبر موته ، و لم تَملأ الشَّوارع باكيَة أو مودِّعةً إيَّاه . لأنَّها و ببساطة لم تَرَ منه ما يدفعها لذلك ، بل ربَّما رَأت منه ما يدفعها للإنتفاض ضِدَّه . فالتَّاريخ لم يتوقَّف عن تدوين الفضائع داخل السعودية إلى حُدُود الأيَّام الأخيرة  من حُكم عبد الله بن عبد العزيز ، و  التي كان آخرها جلد المدوِّن رائف بدوي و دعم التَّنظيمات الإرهابيَّة في سوريا و العراق . و في هذا السِّياق تراهن بعض التَّحليلات السَّطحيَّة على تغيير جذري في سياسات المملكة مع الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز و التحويرات الوزارية التي أجراها، مَثَلُهم في ذلك كمَثلِ الذين يراهنون على وجود "يسار إسرائيلي" يمكن التَّعويل عليه و التّحالف معه  للنضال ضدَّ الإحتلال الصّهيوني .
إنّ النُّظم السياسيَّة الملكيَّة هي بطبيعتها أنظمة رجعيّة لأنّها تعني أن تُورَّث فيها السُّلطة دون مراعاة لأيّ    مقاييس فالكفاءة لا معنى لها في هذه النُّظم و رغبة الشَّعب هي آخر ما يُنظر له ، و
المقياس الأوَّل و الأخير هو القرابة الدمويَّة الّتي بموجبها إنتقل الحكم من عبد الله بن عبد العزيز بعد موته لأخيه سلمان بن عبد العزيز . و من المؤكّد أنّ الملك الجديد و طاقمه الجديد ، الذي تمَّ تعيينه بعد تصفية جناح الملك السابق في أهمّ المناصب السّياسيَّة المُؤثِّرة، سيحافظ على "الثّوابت" التي سارت وفقها المملكة منذ تأسيسها إلى الآن . و من أهمّها التّحالف مع الاستعمار ، و مساعدته لوجستيًّا و مادّيا على تنفيذ سياساته العُدوانيّة في المنطقة . حيث أنّ النَّاظر للتَّاريخ يكتشف أنَّ تغيُّر الأسماء الحاكمة في مملكة قطع الرُّؤوس أو صراع الأجنحة داخل أسرة آل سعود لا يعني تغيُّرا في السّياسات المُتَّبعة من قبل السُّلطة في السّعودية ، التي تحافظ على خطّ عام يقوده "عقل" تكفيري وهابي رافض لكلّ أشكال الحضارة و الحداثة التي راكمتها الإنسانية ، و حاقد على المرأة التي يعتبرها عورة و عبئا على المجتمع . ويتعدَّى تأثير هذا الفكر الظَّلامي الحُدود الجُغرافيَّة  لمَملكة قطع الرُّؤوس لِيَشْمل عدّة بلدان و عِدّة مجالات ، و هُنا يأتي دور المال النّفطي ، الّذي يلعب دورا قذِرًا في شراء الذِّمم و أصبحت بسببه عديد الضّمائر مُجمَّدة في ثلاَّجات البترودولار . إنّ تركيبة الطّبقة الحاكمة في السعودية متشعّبة و مركّبة و هي مرتبطة عضويّا منذ ظهورها إلى اليوم بمصالح الرأس المال العالمي . فهي عبارة عن مشايخ قبائل وجدوا أنفسهم ، بدعم من الإستعمار، يحكمون دولة لكن ليس بفكر الدّولة وإنّما بفِكر قبلي و ذكوري متخلّف و متحالف مع رجال الدّين الظّلاميين . وقد تحوّل هؤلاء بفضل الثّروة النّفطية الهائلة إلى برجوازية كمبرادوريّة  لكن بممارسات إقطاعيّة في تعاملها مع ما تُسمّيه " الرَّعِيَّة ".
و من هذه الزّاوية فإنّه لن تتغيَّر السّياسات السّعودية على المُستوى الدَّاخلي و الخارجي دون تغيير الطّبقة الحاكمة برُمّتها . و إنّه لَمِن الجنون و العبث الرّهان على النّفط لإخماد الحرائق .    
                       
الأخبار اللبنانية : العدد ٢٥٢٢ الخميس ١٩ شباط ٢٠١٥

lundi 16 février 2015

القنيطرة:عين على سوريا و فلسطين


كانت أولى أهداف الكيان الصهيوني منذ 1948 انتزاع الاعتراف الدولي في مرحلة أولى بشرعيَّة وجوده، وفي مرحلة ثانية انتزاع الإعتراف العربي الرَّسمي ثمّ المرور، في مرحلة ثالثة، لتثبيت حقيقة الاحتلال في الذهنية العربية الشعبيَّة. العدُوّ الصّهيوني تجاوز المرحلة الأولى والثَّانية، وهو من هذا الموقع يعتبر كل اعتداء عليه عملاً إرهابياً وعدواناً سافراً على سيادته، وحتَّى الأنظمة العربية العميلة والرجعية في المنطقة توافقه في ذلك، وتتآمر على كل أشكال المقاومة وتتصدَّى لها. لكن ما يحُول دون تمرير هذه الاستراتيجيَّة بسلاسة ويؤرِّق قادة العدو الصُّهيوني هو وجود إيران وسوريا وحزب الله.

هذا المحور، الذي يضمن المحافظة على توازن سياسي وعسكري ضد الكيان العنصري الإسرائيلي، يُعامل الدولة الصهيونية بمرجعيّة ما قبل المرحلة الأولى. بمعنى أن حزب الله وحليفيه يرفضون ــ إلى حدّ الآن ــ الخضوع لمنطق «الأمر الواقع» الذي يفترض الاعتراف بـ»إسرائيل». إنَّ الاعتراف بشرعيَّة إسرائيل ليس مجرَّد ورقة يتِمُّ المصادقة عليها بل هو إجراء له استتباعاته السياسيّة والعسكريّة، والكيان الصُّهيوني يَعِي أهميّة هذه المسألة منذ تأسيسه، لذلك حاول، منذ سنوات، بشتَّى الوسائل إدخال سوريا إلى «حظيرة المعترفين». لكن سوريا أيضاً، تعي بدورها خطورة هذه المسألة لذلك رفضت كلّ الإغراءات وصمدت في وجه الحصار، وهي تقاتل اليوم أدوات الثَّالوث (الرجعية العربية و»إسرائيل» والإمبرياليّة) من تنظيمات إرهابية إسلامية وتشكيلات مسلَّحة، تتلقّى تدريبات عسكرية في تركيا أو الأردن.
وأحد أسباب هذه الحرب على سوريا هو أنّها تمثّل نشازاً بجانب أنظمة تتفنَّنُ في العزف على وتر العمالة للعدوّ. حاول الكيان الصهيوني عام 2006 تدمير الواجهة الأولى والتعبير العسكري الأوضح لهذا المحور، وقد مُنِي آنذاك الجيش الصهيوني بهزيمة مدوِّية. خلال تلك الحرب ساندت إيران وسوريا حليفهما حزب الله، واليوم تحاول «إسرائيل» من جديد كَسر المحور عبر بوابة سوريا وشنّ حرب بالوكالة عليها عبر تقديم الدَّعم المادي والعسكري واللوجستي لحلفائها الإرهابيين على أرض سوريا، وكما في حرب عام 2006 فإنَّ إيران وحزب الله يساندان سوريا ويقاتلان إلى جانبها في هذه الحرب. يعمل «محور المقاومة» ككتلة موحَّدة ومتكاملة، وما يعزِّز هذا التَّوجّه هو إعلان الأمين العام لحزب اللّه حسن نصر الله، منذ أشهر، عزم الحزب دخول المجال السُّوري لمواجهة الكيان الصهيوني. وما يمثِّل خلفيةً لتحرُّكات المحور هي المسألة، المشار إليها في بداية المقال، وهي عدم الاعتراف بشرعيّة الكيان الصّهيوني. لذلك ربّما وجد بعض كوادر حزب الله بصحبة الجنرال الإيراني في مدينة القنيطرة السوريَّة، وربّما كان العدوّ صادقاً حين قال إنّهم كانوا يخطِّطون لتنفيذ عمليات ضدَّ «إسرائيل». هذه العمليّات، لو تمَّت فعلاً، لكانت أعمالاً مُدانة وإرهابيّة بمقاييس «المُعترفِين»، أمّا في نظر «الرافضين للاعتراف» فهي طبيعيّة، بل إنّه من التقصير أن تَغِيب تلك العمليَّات. فطالما هناك إحتلال صهيوني لفلسطين ولأجزاء أخرى من الوطن العربي، فمِن الطّبيعي أن تكون هناك مقاومة من كلِّ الاتجاهات وعلى كل الجبهات بهدف إزالة الكيان الصهيوني وتدمير مؤسساته. هذا هو المنطق الذي يجب أن يَحكُم تفكير كل الوطنيين والثوريين وكل الشعوب العربية. وانطلاقاً من هذه الرُّؤية، يمكن أن نجيب وزير الدفاع الصهيوني حين تساءل: «ماذا كان يفعل أعضاء من حزب الله في القنيطرة؟» كالآتي: «وماذا تفعل أنت على أرض فلسطين؟».
شهداء حزب الله والشهيد الجنرال الإيراني محمد علي الله دادي كانوا في القنيطرة لأنّه على بُعد كيلومترات باتّجاه الجنوب من تلك النُّقطة توجد دولة الاحتلال الصّهيوني، وعلى بُعد كيلومترات باتّجاه الشمال توجد أدوات دولة الاحتلال من التنظيمات الإرهابية الدينية و»المعتدلة». وبتعبير آخر لأنَّ «القنيطرة عَيْنٌ على سوريا وعلى فلسطين».

"الأخبار - 2015 / 1 / 28"