vendredi 12 août 2016

دفاعاً عن كرامتنا

حين سُئِل الكاتب و الأديب يوسف إدريس :"متَى تثُور؟"، أجاب قائلًا :" أنا أثور على المُستوى الشَّخصي حين أُحِسّ أنّ كبريائي جُرحَت أو خُدِشَت عن عمد "(1). بهذا الأسلوب البديع عبَّر يوسف إدريس عن أهمّية قيمة الكرامة التي لا تكتَمِل إنسانيّة الإنسان إلَّا بتوفّرها ، و التي يستحقّ فقدانها من الإنسان ثورة لاسترجاعها . و إذَا إنطلقنا من "فقدان الكرامة" كشرط للثّورة، فإنَّ الإنسان العربي سيكون أمامه حتميَّة وُلوجه دورة لا نهائيَّة من الإنتفاض و التَّمرّد . حيث أنّ إهانة الإنسان في هذه المنطقة هي الصّناعة الثَّقيلة الوحيدة التي نجَح العرب في إرسائها بعد فشلهم ، إلى حدّ الهنيهة الحاضرة ، في دخول مرحلة التَّصنيع . و لم يكن عبد الرّحمان منيف مُغاليًا أو مُتطرّفًا في توصيفه لحال الإنسان في بلادنا العربيَّة قائلًا ، في روايته شرق المُتوسّط، "أعقاب السَّجائر أغلى منه".
لكنّ عمليّة الإذلال المُستمرَّة على الشُّعوب العربيَّة أَوْجَدت عندهم حالة من التَّعوّد أضعفت قُدرتهم على الإحساس بالنّيْل من الكرامة . فاستبدَّ "تقبُّل الإهانة" بالعقل العربي ، و عشَّش في سُوَيْداء الرّوح العربيّة . وأضْحَت الإهانة وضعيَّة عاديّة لا يتنبَّهُ العربي لوُجُودها إلاَّ إذا تجاوز منْسُوبها الحدّ المُعْتَاد أو نَقُصَ عنه ، فلَكأنَّها شبيهة بالسّكّر في الدَّم لا يشعر الإنسان بوجودها إلّا إذا إنزاحَت نسبتُه و خَرَجَت من مجالها سواء بالزّيادة أوبالنّقصان . فعَلَى سبيل المثال لم يُقدِم محمّد البوعزيزي على إحراق نفسه إحتجاجًا على الإهانة التي لحِقت به إلاّ حين بلغت ذُروتها بالإعتداء المباشر عليه ، رغم أنّه كان يعيش وضعيَّةً رثَّة سابقة لحادثة الإعتداء لا تخرج عن نطاق الحَطّ من الكرامة الإنسانيَّة . كما لم يُصبح التّونسيُّون أكثر يقظة و تحفّزًا لرفض مَا يطال الإنسان من إنتهاك لحقوقه إلاَّ بعد التَّقليص النّسبي من سَطوة أجهزة القمع البولسيَّة و الحدّ من غَطْرَستها ،حيث كانت وظيفتها الأسَاسيَّة خلال فترة حكم "بن علي" أن تسوم التّونسيّين شتَّى أنواع الذّل و الهَوان . هكذا إذًا أمسَى التّونسيُّون أكثر حساسيًّة للإهانة ، و هكذا أيضًا يُمكن أن نعتبر الإحساس الجماعي و المشترك بالإهانة مدخَلًا للثَّورة الإجتماعيَّة تنفُض عن الإنسان غبار الخنوع ، و تُخلِّصه من أغلال الخُضوع ، و تجعل منه المحور الذي تدُور الحياة حوله .
فالثَّورة هي تعبيرٌ عن تَوْقٍ جماعي لاسترداد الكرامة السَّليبة ، أمَّا إنعدام الإحساس بالإهانة فيُمثِّل دعامةً للدولة العربيَّة و أجهزتها ، التي تعمل ليل نهار لتحويل الشَّعب إلى مجموعة من البِغال تئٍنُّ في صمت ، و يزيدها صلابةً و ثباتًا . بينما يُولّد الوعي بحياة الذّل التي يحياها العربي نزُوعًا جامحًا و رغبة جيَّاشة في إِسْتردَاد وَ إِنقَاذ الكرامة المَنْحُورَة على مذابح المستعمرين و الجيوش المحلّية و الغازية و رجال المخَابرات و أباطرة المال و مشايخ الدَّجل الديني .
و نحن إِذْ نُولي قيمة الكرامة كلّ هذه الأهمّية فذلك لأنّها مِن الشُّمولية بحيث تُلخِّصُ أبعاد المعركة ، التي على القوى التقدمية و الثوريّة خَوضها في هذه المرحلة المُعقّدة من تاريخنا . و هي معركة ثُلاثِيَّة المحاور تدور كلّها في فلك "الكرامة الإنسانيَّة" ، و يمكن إيجازها كالآتي :
أوَّلًا : المسألة الإجتماعيَّة و قضيَّة التّوزيع العادل للثَّورة التي كانت السّبب الرَّئيس في إندلاع الشّرارة الأولى للإنتفاضات العربيّة من مدينة سيدي بوزيد المهمَّشة و المنسيَّة .
ثانيًا : مسألة الحُرّيات العامَّة و الفرديَّة و حتميّة الإستماتَة في الدّفاع عن الحقّ الذي إنتزعته الجماهير الثَّائرة ، الحقّ في التَّعبير و التَّظاهر و التَّنظُّم . و هي قضيَّة يجب أن تحْتَلّ حيّزًا هامًّا في جدول أعمال القُوى الديمقراطيَّة بالنَّظر لأنّ القمع عاد ليُطِلّ برأسه من وراء ستار "الحرب على الإرهاب"، وليَتَّهِم كلّ من يرفع صوته ضدّ السّلطات الحاكمة بالتَّواطئ مع الإرهاب . و هو ما يُحِيلُنا للمحور الثَّالث في معركة الدفاع عن الكرامة .
ثالثا : قضيّة مُواجهة التّنظيمات الظَّلامية و الإرهابية التي تجْتَاحُ المنطقة و تُغرق البلدان العربيّة في مستنقع من الوحل و الدّماء . و هي حرب حقيقيّة تبدو مفتوحة على كلّ الإحتمالات، و تطرح مجموعة من الأسئلة المعقَّدة و الشَّائكة : هل يُمكن مواجهة الإرهاب دون عقد التّحالفات و التَّقاطع مع بعض القُوى و الأنظمة التي لا تؤمن حقّا بالحرية ؟ من هي القُوى الإقليميّة و الدوليّة الداعمة للإرهاب ؟ هل أنّ كلَّ من يحارب التنظيمات الإرهابيّة،حاليًّا، يسعى فعلًا للقضاء عليها ؟ أم أنّه يهدف من وراء "حربه" لإيجاد توازنات و نظام إقليمي يخدم مصالحه الجيوسياسيَّة ؟ أيُّ دور للقوى الثَّورية في هذه الحرب ؟ و هل تملك هذه القُوى، واقعيًّا، القدرة على تغيير موازين القوى في هذه الحرب . ربَّما لا نمتلك إجابات حاسمة على هذه الأسئلة ، لكنّنا حاسمون بشكل قاطع في أنَّه لا كرامة للعرب دون القضاء على هذه التَّنظيمات و التَّشكيلات المُعادية لكلّ ما راكمته الإنسانيّة من أشكال للحضارة و التَّمدُّن ، و أنّ من يُساندون الإرهاب ، مهمَا كانت تبريراتهم ، لا رهان عليهم .

خلال الثورة الفرنسية (1789) كانت قضيّة الحرية هي رُوحُها الخَفيّة ، و خلال الثورة البلشفية في روسيا القيصرية(1917) كانت العدالة الإجتماعيّة هي سبب ديناميّتها و حيويّتها ، و في زمن المدّ القومي في الستينات كانت مسألة الإستقلال الوطني و تحرير فلسطين محرِّكا رئيسًا لاستنهاض الجماهير العربيَّة . أمَّا اليوم ، فإنَّ كلّ هذه المعارك يجب خوضها مُتزامنة دون أسبقيّة إحداها على الأخرى من أجل أن نحيا مَرفوعي الرّؤوس في بلادنا العربيَّة التي يُحترم فيها الحذاء العسكري أكثر مِمَّا يُحترم الإنسان .
لَا كرامة لنا إن كنَّا فقراء ، و لا كرامة لنا إن كنَّا مُستعمرين ، و لا كرامة لنا إن كنَّا مَقْموعين .
 ------------
وائل بنجدو
جريدة الأخبار اللبنانيّة10 أوت 2016 






jeudi 4 août 2016

مُبادرات الحياة


في إحدى المَمْلكات الصَّغيرة و النَّائية، إنتظر وليُّ العهد بفارغ الصّبر وفاة والده ليرِث عنه المُلك. كان الأمل يحْذُوه، مع كلّ إنبلاجٍ لِفَجر يومٍ جديد، أَن يُفيق من نومه على بُشرى موت أبيه و إستلامه العرش. تَتالت السّنون سنةً تلو سنة و الرّجل يعيش على ذلك الأمل حتّى يئِس من نيل مُراده و الوصول لمُبتغاه بعد أن تجاوز عُمر والده المائة حَولًا. فأشار عليه مُستشاره، الذي يعتبره ذراعه الأيمن و المعروف بخبثه و دهائه الشّديدين، بأنّ الحلّ الوحيد أمامه هو قتل أبيه قبل أن يذهب عمره سدى و يضيع في الإنتظار. وافق وليّ العهد على إقتراح مستشاره و قتل أباه و إستقرَّت له أمور الحكم.
لكن المعضلة الكبرى التي واجهت الملك و مُستشَاره أنّ الحاكم الجديد قد أُصيب بمرض مُزمن و غريب بسبب تقدّمه في السّن، أجمع الأطبّاء أنّ لا شفاء منه، و هو "داء النَّوم". حيث كان الملك يُقضِّي أيّاما و ليالي و هو نائم حتّى تعتقد الرّعية أنّ ملكهم قد قضَى نحْبَهُ، فتعُمّ البلبلة أرجاء المملكة و تسُود الفوضى. لم يعجز المُستشار المُحنَّك عن إيجاد مخرج من هذه الورطة المُتواصلة: فكان، في كلّ مرّة يطول فيها نوم الملك، يُشِيعُ بين النّاس أنَّ مَلِيكَهم قد بَادَر بتغيير هذا الوزير أو ذاك، و أنّه بادر باتّخاذ قرار مَا في غاية الأهمية بهدف تحسين ظروف المعيشة في المملكة. كان المستشار يسمِّي هذه المُبادرات الملكيَّة: "مبادرات الحياة" لأنّها الوحيدة القادرة على إقناع النّاس أنّ الملك مايزال على قيد الحياة، و هي مُتنفّس المستشار و طوق نجاة الملك. و مع كلّ سبات جديد يدخل فيه الملك إلَّا و تطفو على السّطح مُبادرة جديدة من صُنع المستشار لتهدئة الأوضاع و إمتصاص حالة التّململ في صفوف الرّعيّة.
لكنّ صحّة الملك ساءت أكثر فأكثر مع مرور الزَّمن، و أصبحت فترات النوم التي تُلِمّ به متقاربة جدًّا، فوجد المستشار نفسه مُجبرًا على إجتراح مبادرات كثيرة في وقت وجيز ممَّا أرهق تفكيره و أَتلف أعصابه. فضَعُفت مبادراته و تقلّص تأثيرها في النّاس، و تسرّب خبر مرض الملك بداء النّوم فكثرت الإشاعات و ازدادت أوضاع المملكة سُوء.
و في إحدى المرّات دخل الملك الطَّاعن في السّن في سُباتٍ لم يسبق له مثيل، فسعى مُستشاره عبَثًا إيجاد مبادرة جديدة و متماسكة لاستعادة السّيطرة على الأوضاع التي لم يعد يحكمها أيّ منطق. و لم تَجُد قريحة المستشار المُنهك بأيّ مبادرة تُنقذه و تنقذ الملك الذي يغُطّ في نومه العميق غير واع بما آلت إليه الأوضاع من تأزّم. لقد إستنفذ المسكين كل أفكاره و مبادراته خلال فترات نوم الملك السّابقة.
طال إنتظار النّاس لمبادرة جديدة أو خبر يقين يأتي من القصر لكن دون فائدة، فإستبدّ الشّك و الغضب بهم. و تجمهر الرعية حول القصر و حاصروه و تعالت الأصوات دون إنتظام:
ــ أين الملك...؟
ــ لماذا لم يُقدّم الملك أيّ مبادرة منذ مدّة طويلة...؟
ــ ربّما مات الملك...
و بينما كانت الرّعية على تلك الحال من الفوضى و الإحتجاج حتى دفع أحدهم بوّابة القصر و هتف قائلا و هو يُشير بيده إلى داخل القصر: " الشّعب يريد إيقاظ الملك." فتبعه الناس إلى الداخل و هم يُردّدون وراءه " الشعب يريد إيقاظ الملك". إقتحم جمْعٌ غفيرٌ منهم غرفة نوم الملك فوجدوه مُمدّدا دونما حراك، فتوهَّمُوا خطأً أنّ الملك قد مات. حملوه على الأكتاف إلى أن وصلوا المقبرة و دفنوه. و بعد الإنتهاء من الجنازة و الدّفن بدأ بعضهم بالتّفكير و التّساؤل:" كيف سنعيش بدون مُبادَرات؟"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قَد يتساءل بعض القرّاء عن السّبب الذي يقف وراء توظيف أساليب الإيحاء         و الرّموز و السخرية في هذه القصّة القصيرة . أجيبكم، أيّها القرّاء الأعزّاء، أنّنا نعيش في زمن "الإنتقال الدّيمقراطي" الذي يحقّ فيه للكاتب الحديث بصفة مباشرة لكن و لأنّ فترة الإنتقال قد طالت أكثر ممّا طال نوم الملك في القصّة أعلاه، فلقد خَيّرت أن أُبادِر بدوري باجْتِراح أسلوب جديد مثلما إجترح المستشار مبادراته.
أليس هذا زمن المبادرات الكثيرة في زمن الإنتقال الديمقراطي الطويل، فلماذا أحرم نفسي من حقّي في المُبادرة !؟

بقلم وائل بنجدو

جريدة آخر خبر، العدد 203،الثلاثاء 2 أوت 2016

vendredi 20 novembre 2015

تونس : عن الصراع داخل الحزب الحاكم و تداعياته


تَفتح الثَّورات الكبرى أفقًا رحبًا لتغييرات جذريَّة على كافَّة الصُّعد الإقتصاديّة و الإجتماعيّة و السّياسيّة . و تخُوض قوَى الثَّورة قبل و بعد إستيلائها على السُّلطة صراعًا مُضنيًا و قاسيًا للقضاء على البنيان الإجتماعي القديم و لتقليص نفوذ و تأثير القُوى المُضادَّة للثَّورة في كلّ المواقع داخل المجتمع و الدّولة. و في خضمّ مسار الهدم/البناء هذا تنتشر أخبار إنتصارات الثّورة ، فتُصَوَّب أبصار أصدقائها و أعدائها في العالم و داخل البلد المَعْنيّ لقرارات كبرى و مشاريع إقتصادية و إجتماعية قصيرة و بعيدة المدى مثل قوانين للإصلاح الزّراعي و تأميم لقطاعات إستراتيجيّة و رصد إعتمادات ماليَّة هامَّة لتطوير البنية التَّحتيّة و بناء المؤسّسات و المصانع و مراجعة موقع البلد في خارطة السّياسة الدّوليّة و تحالفتها بما يعود بالنّفع و الفائدة على الجماهير الثَّائرة.
يحدُث كلّ هذا إذا حدثت الثَّورة.
لكن الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام في هذه الفترة عن تونس ، التي من المُفترض أنّها تعيش على وَقْع ما أجمع كثيرون على توصيفه بالثّورة ، هي أخبار مُغايرة تمامًا لما يَتَنَاهى لمسامع العالم عن الثّورات. و هي تتركّز أساسًا على الصّراع القائم داخل الحزب الحاكم "نداء تونس". و لا يعني ذلك أنَّ الإعلام العالمي يتعمّد تجاهل إنجازات الحزب الحاكم أو أنَّه يعمل بخبثٍ على إلقاء الضّوء على ما هو هامشي ، إذْ لا يملك حزب حركة نداء تونس ما يُقدّمه للنّاس و ما يُسوِّقه للعالم عن نفسه غير صراعاته الدّاخليّة . فبعد أكثر من عام على فوزه في الإنتخابات البرلمانيَّة و إعتلائه سدّة الحُكم مع بقيّة شركائه خاصَّة حركة النَّهضة الإسلاميَّة ، لم يتحقَّق شيء من الوعود الإنتخابيَّة ، و لا يبدو أنَّ الإئتلاف الرّباعي الحاكم يملك أيّ رؤية لإنقاذ تونس من الأزمة التي باتت تحاصرها على كلّ المُستويات . بل إنّ الحكومة و الأحزاب الدّاعمة لها تسير بسرعة كبيرة بالبلاد نحو القَاع من خلال حزمة القوانين الإقتصاديَّة التي صادقت عليها أو تعتزم المصادقة عليها ( قانون المصالحة الإقتصادية، قانون الشراكة بين القطاع العام و الخاصّ ، رهن بعض المنشآت العموميّة ، قانون الميزانية لسنة 2016، الترفيع في سن التّقاعد ، قانون الشَّراكة الشاملة مع التّحاد الأوروبي...). حيث تهدف كلّ هذه القوانين ذات الطابع الليبيرالي إلى مزيد ربط الإقتصاد التونسي بالرّأسمال العالمي ، و فتح الأبواب على مصراعيْها أمام المصالح الإقتصادية للمراكز الرّأسمالية الكبرى في العالم خاصَّة أوروبا و الولايات المتّحدة الأمريكية . يحْضى هذا التّوجّه بدعم و مباركة من كلّ القوى اليمينيَّة المُسيطرة على مجلس نواب الشّعب. و رغم ما يبدو في هذه الفترة من صراع بين جناحَيْ حزب "نداء تونس" ( جناح حافظ قايد السّبسي و جناح محسن مرزوق) و قياداته فإنّ الجميع يقف على نفس الأرضيّة الليبيراليّة ، و يُجمعون على برنامج إقتصادي و إجتماعي عنوانه الرّئيس "الإنحياز لرأس المال على حساب الطّبقات الشعبية".
إنّ هذا الصّراع ، الذي وصل حد تقديم 32 نائب من نُوَّاب حزب "حركة نداء تونس" إستقالتهم من الكتلة البرلمانية للحزب قبل تعليقها بعد أيَّام ، لا يَعدو كونه صراع على المواقع في المُؤتمر القادم للحزب خاصّةً أنّه يضمّ في صفوفه كوكبةً من الوُصُوليّين و الإنتهازيّين . و لا علاقة له ، من بعيد أو قريب ، بالصّراعات المَبدئية التي قد تعيشها كلّ الأحزاب الديمقراطية . لا علاقة لهذا الصّراع بما تعانيه البلاد و لا علاقة للبلاد بأجنحة الصراع و رموزه ، فكلّهم حاملون لمشروع سياسي و إقتصادي سيساهم في مزيد تأزيم الأوضاع . و من النقاط التي يجب الوقوف عندها هي الأساليب المُعتمدة في هذا الصراع ، حيث لم يجد أحد شقَّي هذا الصراع حرجا في الإستنجاد بالعِصيّ و الهراوات لفرض سياسة الأمر الواقع و منع إنعقاد إجتماع المكتب التنفيذي للحزب بالقوّة . فهل أنّ حزبا حاكما يعتمد العنف لحسم خلافاته الدّاخلية هو حزب ديمقراطي و مدني مثلما يدّعي ؟ أليس هذا هو أسلوب الميليشيات ؟ و إذا كان هذا هو الأسلوب المعتمد لحسم الخلافات الدّاخلية ، فكيف سيكون الحال مع قوى المُعارضة ؟
رغم كلّ المبادرات التي تتقدّم بها أطراف من داخل "نداء تونس" لتقريب وجهات النّظر و النداءات المُتعدّدة ليكون للرئيس "الباجي قايد السبسي" الكلمة الفصل لحسم هذا الصّراع ، فإنَّه بات من الصّعب أن تعود وضعيّة الحزب إلى ما كانت عليه قبل إنتخابات 2014. و هو ما سيكون له تداعيات على توازنات المشهد السّياسي الحالي و في المحطّات السّياسيّة القادمة . و من الطّبيعي جدّا بل من الواجب أن تسعى القوى الوطنيّة و التّقدميّة للإستفادة من الصّراعات و التّناقضات في صفوف الرّجعيّة الحاكمة . لكنّ إستفادة القوى اليسارية من هذا الإنقسام ليست حتميّة لأنّه في حالة حصل خلط للأوراق فسيتصدّر الحزب الأكثر تماسكًا و وحدة و جماهيريّة مسرح الأحداث . و هو ما تتميّز به ، نسبيًّا ، حركة النّهضة الإسلاميّة ، الوجه الآخر للرجعيّة، عن غيرها من الأحزاب. حيث أنّها تتجنّب أن تتصدّر مشهد الحُكم رغم مشاركتها فيه حتّى لا تتحمّل أعباء هذه الفترة و نتائجها التي يبدو أنّها ستُضعِف من شعبيّة حزب حركة نداء تونس . و بالتّالي ترجيح فرضيّة فوز الإسلاميّين بالإنتخابات البلديّة القادمة و ربّما في حالة إجراء إنتخابات برلمانية مُبكّرة ، خاصّة و أنّ القوّة اليساريّة الأكثر تأثيرًا و هي الجبهة الشَّعبيّة لم تضع خطّة واضحة لاستثمار و تأطير الحركات الإحتجاجية المُتوقّع إندلاعها بالنَّظر للظّروف الإقتصادية و الإجتماعيّة الخانقة التي تعيش فيها الأغلبيّة السّاحقة من الشّعب التّونسي ، كما لم تركّز الجبهة هياكل قادرة على إستيعاب المُتَغيِّرات السياسية المُحتملة و مختلف الفئات و الطبقات الشعبيّة.
حين تجري سُيُول الثّورات في عروق الأوطان و أوصالها فإنّها تُزيح من أمامها الأسباب التي أدّت إلى إندلاعها ، و تقتلع كل الشّوائب التي تعرقل حركة التّقدّم . لكن تونس اليوم تغرق يومًا بعد يوم في مستنقع لا نجاة منه إلّا بثورة حقيقية تُحدث التّغيير الذي من أجله إنتفض أهالي محافظة سيدي بوزيد ذات شتاء من سنة 2010، أهالي سيدي بوزيد الذين قدّموا الشهداء ضدّ الإحتلال الفرنسي و في عهد حكم "بورقيبة" و في عهد "بن علي" و في عهد حكم حركة النّهضة ثمّ في عهد التّوافق بين "نداء تونس" و "حركة النهضة" و لم تقدّم لهم هذه الدّولة غير الوعود و السّراب.
-----------------------
بقلم وائل بنجدو

mercredi 21 octobre 2015

مُعارضة... لكنَّها إرهابيّة وأميركيّة


غالبيَّة الأصوات التي ترتفع اليوم رافضةً التَّدخّل العسكري الرّوسي في سوريا لم تَكُن عاليةً بنفس الدَّرجة ، أو ربّما كانت غائبةً ، إزاء جلّ التّدخّلات الأجنبيّة العُدوانيّة في سوريا و ضدّها منذ أربع سنوات و نَيّف . و من أبرز هذه التّدخّلات عربدة طائرات العدوّ الصّهيوني في الأجواء السُّوريّة و قصفها لمواقع للجيش السُّوري في عدّة مناسبات و التي كانت أهمّها إعتداء القُنيطرة التي ردّ عليها حزب الله . أمَّا المحطّة الأخرى في مسار الحرب في سوريا ، التي أسقطت القناع عن هؤلاء ، فكانت سنة 2013 حين إقتربت البوارج الأمريكيَّة من سواحل سوريّة و هدّدت الولايات المتّحدة الأمريكيّة بعمليَّة عسكريّة واسعة لإسقاط النّظام بعد إتّهامه باستعماله الأسلحة الكيمياويّة في حلب . حينها أكل القطّ ألسنة كلّ هؤلاء و لم ينبسُوا ببنت شفة ، و كانت قلوبهم تخفق بسرعة فرحًا ب"المُخلّض الأمريكي". و لم يكتفُوا فقط بغضّ الطرف و إلتزام الصّمت بل إنَّ من بينهم من كان يلعَقُ الأحذية لدكّ دمشق مثل الإئتلاف اللاّوطني السّوري و حركة الإخوان المسلمين التي دعت بكلّ سفاقة ل"الجهاد ضدّ الرّوس الكفَّار".
حين قرّر التحالف الدولي بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكيّة البدأ في توجيه ضربات جويّة ضدّ داعش كان ذلك رئيسًا لاحتواء تمدّد التّنظيم الذي يُهدّد مصالحها خاصّةً في إقليم كردستان العراق ، و لم يكن الهدف القضاء على هذا التّنظيم . ثمّ تحوّل "القصف" الأمريكي في مرّات عديدة لعاملٍ مساعد من خلال تزويد المسلّحين بالذخيرة و العتاد.
التدخّل الرّوسي يختلف جذريّا عن تدخّل التحالف الدولي . أوّلا لأنّ الضَّربات الجوية الرّوسية دقيقة للغاية ، و تتجلّى فعاليّتها في التّقدم الميداني الذي يُحرزه الجيش السوري . و ثانيًا لأنّها لا تميّز بين التّنظيمات الإرهابيّة على عكس ضربات التحالف التي كانت أقرب للإستعراض منها للحرب على الإرهاب و إستَثنت عدّة تنظيمات إرهابيّة من قائمة بنك أهدافها . لهذه الأسباب تثُور ثائرة المعارضات اللاّوطنية المُرتبطة بالإمبريالية الأمريكية ، ذلك أنّ كلّ قصف يطَال إحدى مواقع الإرهابيين هو في الحقيقة قصفٌ يطَال أيضًا القوى السياسية التي تتّخِذ من التّنظيمات الإرهابيّة وسيلتها الميدانيّة لفرض صيغة لوقف الحرب تتماشى و تصوّراتها و تصوّرات الرّاعين الغربيين لها . إنّ هذا النّوع من المعارضة ، الذي يراهن على الوصول للحكم على ظهر الدبّابة الأمريكيّة ، هو جزء من الأزمة في سوريا و التّصدي لها لا يقلّ أهمّية عن التصدي للإرهاب . بل يمكن القول أنّ الحرب التي بدأت تأخذ نسقا هجوميّا من جانب الجيش السوري على الأرض بعد التّدخّل الرّوسي هي في الحقيقة حربٌ ضدّ الإرهابيين و حربٌ ضدّ السياسيين الذين يُندّدون بالإرهاب علنًا و ينسّقون معه سرًّا ، حيث أنّ هذه التَّنظيمات الإرهابيّة هي الأدوات الميدانيّة و ورقة الضّغط الوحيدة بيدها نظرا لكونها لا تملك إمتدادًا شعبيًّا في الوقت الحالي.
الولايات المتّحدة الأمريكيّة ستَعمل جاهدةً ليكون لهذه المعارضة العميلة دور هامّ في التّسوية السياسية المُرتقبة لما بعد الحرب ، و ستفاوض روسيا على هذا الأساس . سواءً كان للرئيس بشّار الأسد دورٌ في المرحلة الإنتقالية أم لم يكُن ، فإنّ مهمّة إختراق النّظام السّوري مَوْكُولةٌ بشكل رئيس لهذه المعارضة العميلة و لجماعات الإسلام السّياسي وليس عبر منصب رئاسة الجمهوريّة لسببين رئيسيّين : أوَّلا لأنّه لا يوجد إجماعٌ داخل فصائل هذه المعارضة على شخصيّة يُمكن الرّهان عليها ، و ثانيًا لأنّ روسيا لن تسمح بهذا الإختراق الذي يعني فقدان حليف إستراتيجي في المنطقة.
إنَّ مواجهة الإرهابيّين في ساحة القتال تتطلّب حسمًا بنفس الدّرجة في التّعامل مع المُعارضة التي توظِّف الإرهاب في ميدان السّياسة و التّفاوض . و إنَّ كلّ القوى السّياسيّة ، التي لا تعتبر وقف الحرب في سوريا عبر القضاء على الإرهاب هي الأولويَّة المُطلقة في هذه المرحلة ، هي جزء لا يتَجزّأ من تدمير البلد و المنطقة سواء عن حسن نيّة أو سوء نيَّة ، و لا يُمكن أن تكون قوّة للبناء في سوريا مُستقبلاً.
إنَّها مرحلة الحسم العسكري فلتتوضّح منها كلّ المواقف : إمّا مع إنهاء الحرب و المأساة السُّورية أو مع إدَامَتها.

----------------
وائل بنجدو 
http://www.al-binaa.com/?article=74506
جريدة البناء : 20/10/2015

samedi 10 octobre 2015

التّدخّل الرّوسي : جولة الضّرورة قبل تسوية الضّرورة



إنّ مفهوم الإمبريالية هو مفهوم إقتصادي بالأساس يحدّده تملّك الدولة المعنية للإحتكارات ، فليس تدخّل روسيا العسكري في سوريا هو ما سيثبت طابعها الإمبريالي أو ينفيه . كثيرة هي الدول التي تدخلت عسكريا في بلدان أخرى و شنّت عمليّات عسكريّة خارج مجال حدودها الجغرافي بينما هي مَحْكُومة مِن أنظمة تابعة أو إشتراكية أو وطنية مثل مصر في عهد عبد الناصر أو الإتحاد السوفياتي أو السعودية...

فهل تتحول هذه الدول لدول إمبريالية بمجرّد تدخلها عسكريا في بلد آخر ؟!

خمسة إحتكارات كبرى تتسَيَّد بها الإمبريالية الأمريكية و حلفاؤها (أوروبا و اليابان) العالم ، و تمسك من خلالها بأَعِنَّةَ الإقتصاد العالمي و هي :السيطرة على الثروات الطبيعية ، أسلحة الدمار الشامل ، الإعلام و البروبغندا ، وسائل الإتّصال و التكنولوجيا ، و النظام النقدي العالمي عبر بعض المؤسسات الماليه اهمها صندوق النقد الدولي و البنك العالمي. كذلك هناك عوامل أخرى تجعل للولايات المتحدة قدرة شاملة على السيطرة وهي هيمنتها عل البحار و المحيطات و غزو القطبين و الاكتشافات السريعة للفضاء التي لا نعرف ماذا تُخبِّئ للولايات المتّحدة الأمريكيّة و للإنسانيّة.
إن الصين و روسيا و هما قوّتان "فوق إقليمية و ما دون كونية" وهما دولتان صاعدتان (والصّعود هو مفهوم إقتصادي) و خاصّة الصين. و لا ينطبق عليهما وصف الدول الإمبريالية لأنّهما لا تساهمان في تلك الإحتكارات الخمسة الكبرى ، بل تسعيان حثيثًا للتّحرر منهم و فكّ الإرتباط معهم.
إنّ الموقف من التدخل الروسي لا يَجب أن ينطلق من توصيف غير دقيق لطبيعة الدّولة الرّوسية و إقتصادها ، بل يجب أن ينطلق من المعطيات الميدانية و تحديد الأولويات  التي تتمثل حاليا في: القضاء على الإرهاب و وقف الحرب مع الحفاظ على وحدة سوريا .فالإجابة عن سؤال كيف نريد شكل سوريا بعد الحرب و الإمكانيّات المُتاحة لذلك هي المحدّد الرئيس للموقف من التدخل . لقد باَتَت كلّ الأطراف المتصارعة في سوريا مُتّفقة على ضرورة إنهاء الحرب ( و إن لم يصرِّح الجميع بذلك ) لسببين رئيسيّيْن الأوّل هو صعوبة حسمها بالقوّة العسكريّة و الثّاني خطر الإرهاب الذي أضحى يهدّد الجميع حتّى من ساهم في صناعته مثل تركيا و السّعوديّة.لكنّ الأطراف الإقليمية و الدّوليّة التي تتقدّم باتجاه "تسوية الضّرورة" ليست متّفقة على أولويات الحلّ السياسي التي ذكرناها في بداية المقال وعلى طبيعة المرحلة الإنتقالية التي تُعتبر عِماد الشكل الذي ستكون عليه سوريا ما بعد الحرب .هذا الحل السياسي ستُرسم ملامحه في الميدان و وِفْق تطوّرات الأوضاع الميدانية و تغيير موازين القُوى . و سَيُحاول كلّ محور من المحاور الرّئيسة الثّلاثة في المنطقة : قطر تركيا ــ السّعودية الإمارات الأردن ـــ سوريا إيران ( تمثّل الولايات المتّحدة مرجعا للمحورين الأوّلين و ضابط إيقاع للتّنافس بينهما ، و تمثّل روسيا الحليف الأهم لسوريا و إيران ) تحقيق إنتصارات عسكريّة و تقدّم ميداني قبل جلوسه على طاولة المفاوضات التي يبدو أنّه لا مفرّ منها بالنّسبة للجميع . فَفِي هذه الوضعية شديدة السّيولة ـــ التي يزداد فيها إحتمال أن تأتي النتائج بعكس المُتوقّع لكل القوى الإقليمية المأثرة في المنطقة(تركيا ، إسرائيل ، السّعوديّة ، إيران ) و من ورائها القوى الدولية سواء كانت الإمبرياليه الأمريكية أو البلدان الصاعدة التي تضع الهيمنة الأمريكية موضع تساؤل(روسيا،الصين) ـــ سيرفع الجميع شعار التسويات و التّفاوض . لكن قبل ذلك لابدّ من جولة الرّبع ساعة الأخير التي يلعب فيها كلّ طرف أوراقه الأخيرة و بكلّ قوّة ليتمكّن من فرض تصوّره على مائدة المفاوضات المُقبلة ، لذلك من المرجّح أن تتصاعد وتيرة العمليات العسكريّة في الفترة القصيرة المقبلة ، فالإتّفاقات السّياسية الحاسمة و طبيعة الهدنة تصنعها قبل و بعد كلّ شيء الصراعات العسكرية و نتائجها في ساحة الحرب.
روسيا تُدرك ذلك جيّدا لذلك إختارت بعناية توقيت البدء في عمليّتها العسكريّة لتُقلِّص من نفوذ الإرهابيين والمعارضة المسلحة التي تدربها الولايات المتحدة . و هي تتبنَّى تصَوُّرًا يحافظ على وحدة سوريا و يُحَاصِر الإسلاميّين الإرهابيِّين الذين تنظر لهم روسيا دائما بعين الرّيبة و الحذر لاعتبارات تاريخيّة تعود لصراع الإتحاد السّوفياتي معهم في أفغانستان ، و لاعتبارات تتعلّق بما يمثّلونه من تهديد لا يتوقّف على روسيا الإتحادية في منطقة القوقاز . هذا التّصور يقف حتما في مواجهة الرّؤية الأمريكية و الغربيّة عموما التي طالما راهنت على الإسلام السّياسي كإحدى القوى الرّاعية لمصالحهم في عدّة مناطق من العالم ، و ذلك منذ نشأة تنظيم الإخوان المسلمين، سنة 1928 بدعم من السّفارة البريطانيّة في مصر ، الذي خرجت من رحمه أغلب التّنظيمات الإرهابيّة في المنطقة. يقوم التّصور الأمريكي للحل ، أو لِلّاحَل ، في سوريا على إعادة تجربة الإنتقال في العراق التي قادها "بول بريمر" بعد إحتلال عام 2003 . و هي العمليّة التي أنتجت العراق الذي نعرفه و لا نعرفه . و بما أنّ التدخّل العسكري الرّوسي سَيُضعف الأدوات العمليّة و الميدانيَّة للإمبرياليّة الأمريكيّة من مختلف التنظيمات الإرهابيّة ، التي تساعد في فرض هذا الواقع حين يجلس الجميع على مائدة المفاوضات ، ، فإنّ هذا التّدخّل سيكون له فائدة سياسيّة في مرحلة ما بعد الحرب التي تُصوَّبُ كلّ الأبصار إليها حاليًّا .إنها جولة 
الضرورة قبل تسوية الضرورة.

----------
جريدة البناء"
 "العدد:1902 تاريخ:08/10/2015 

وائل بنجدّو

mardi 29 septembre 2015

الرّد يبدأ من فلسطين


في مثل هذه الأيام و منذ 15 عاما إندلعت الإنتفاضة الفلسطينية الثّانية، و إنتشرت صورة إستشهاد الطّفل محمّد الدّرة،التي فتحت أعين جيل عربي بأسره عن معنى فلسطين ، لتكون شاهدا على وحشيّة العدو الصّهيوني و تواطئ الأنظمة العربيّة العميلة مع هذا العدوّ . اليوم يلجأ زعيم التّنسيق الأمني مع الإحتلال محمود عبّاس لكلّ الوسائل لمنع إندلاع إنتفاضة ثالثة تعيد القضيّة الفلسطينية لواجهة الأحداث و تحرّك المياه الرّاكدة فيها منذ سنوات. و من مفارقات زمن الرّدّة أنّ «أبو مازن» سيلقي خطابه في الأمم المتّحدة في ذكرى إستشهاد رمز الإنتفاضة محمّد الدّرة ، لكنه فضّل عوض إسترجاع ذكراه و ذكرى الآلاف ، الذين أستشهدوا في مسيرة مقاومة الإحتلال،أَن يُطَمئن العدوّ بأن خطابه سيكون" تصعيد في الخطاب لا تصعيد في القرارات
إنّ محمود عباس و عصابته تشكّل عبئا حقيقيّا على مشروع تحرير فلسطين ، و النّضال ضدّ الكيان الصهيوني لا يمكن فصله عن النضال ضد هذه السّلطة وكما قال الشهيد غسّان كنفاني "إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية..فالأجدر بنا أن نغير المدافعين..لا أن نغيرالقضية". و يمكن في هذه الذّكرى التشديد على نقطة في غاية الأهمية وهي العدد الكبير من الشباب التونسي و العربي الذين أقبلوا على النضال السّياسي من بوّابة فلسطين.
إنّ إندلاع الإنتفاضة الثالثة ، التي تختمر حاليًّا في أحشاء التراب الفسلطيني ، سيعيد ترتيب أولويات عديد القوى السّياسية و سيسقط قناع الوطنية عن الكثيرين ، كما سيساهم في تراجع الخطاب الطّائفي ليترك مكانه لخطاب عروبي و يساري و وحدوي متجاوز للتَّقسيمات العموديه للمجتمعات العربية التي تهدد وحدتها ضدّ أعدائها .
يجب أن تبقى فلسطين دائما في أعلى سُلّم أولويّات القوى اليساريّة و الإشتراكيّة لأنّ نهوض الجماهير الفلسطينية سيكون له إنعكاسات إيجابية على كل المنطقة و على الوضع الدّولي في العموم .

------------
وائل بنجدو

mercredi 1 juillet 2015

تونس: المواجهة الكاذبة للإرهاب

مرّة أخرى تمتزج زُرقة مياه البحر المتوسّط بلون الدم الأحمر المسفوح على شواطئه؛ فبعد مذبحة العمال المصريين على شواطئ ليبيا، جاء الدور على شواطئ تونس. الطقس المُشمس واللطيف في ساحل مدينة سوسة استحال فجأة عاصفة مجنونة من الرصاص، في عملية إرهابية جديدة هزّت تونس، بعد أقلّ من أربعة أشهر على عملية باردو.
وهكذا هو عدَّاد شهداء العمليات الإرهابية يأبى التوقّف منذ 5 سنوات، ليكون شاهداً من ناحية على فشل الحكومات المتعاقبة منذ سقوط الرئيس زين العابدين بن علي في مواجهة الإرهاب (هذا إذا افترضنا أنها غير متورِّطة في دعم الإرهابيين أو بالتواطؤ)، ومن ناحية أخرى على حجم الخطر المحدق بالبلاد وبالوطن العربي بصفة عامّة.

لم يكن من الصعب توقُّع أنّ المناطق السياحية والحانات والملاهي الليليّة وأحياء اليهود في مدينة جربة مثّلت، وستمثّل مستقبلاً، أهدافاً محتملة لهجمات الإرهابيين. ولم يكن صعباً أيضاً توقع عمليات إرهابية في شهر رمضان الذي يعتبره الإرهابيون شهرهم «المفضّل»، إذ يتضاعف فيه «أجر الجهاد»، على غرار ما حصل في رمضان 2013 و2014.
إذا غابت هذه القراءة الاستباقية البسيطة فتلك مصيبة. ومن باب الإنصاف، فقد توقَّعت الحكومة هجمات إرهابية في هذا التوقيت، لكنها لم تتخذ إجراءات تتوافق وحجم التهديدات، فجعلت من المصيبة مصيبتين.
وبعد كل عملية إرهابية تمتلئ وسائل الإعلام بضجيج المحلّلين وبتصريحات المسؤولين المندِّدة والمتوعّدة، والتي تعلن «الحرب على الإرهاب». لكن حربهم هذه يبدو أنها حرب كلاميَّة وليست ميدانيّة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. إذ كيف يمكن تصديق حكومة تدّعي مواجهة الإرهاب في حين أنّها تسمح لحزب التحرير الإسلامي بالنشاط القانوني، والحال أنّه حزب يؤمن بالخلافة الإسلامية ويرفع الرّاية السوداء عوض الراية الوطنية، ويعتبر الديموقراطية كفراً وبدعة غربية؟ وكيف يمكن تصديق هذه الحكومة التي تغضّ بصرها عن بعض المساجد التي يسيطر عليها السلفيّون التكفيريون وبعض الأحزاب الإسلامية؟
ليس كل من يدّعي مواجهة الإرهاب صادقاً في دعواه، وفي ما يلي أمثلة عن بعض هؤلاء الذين لا ينبغي الوثوق بهم، أو السير إلى جانبهم في معركة مواجهة الزحف الأسود:
*كاذِبٌ من يتناول ظاهرة الإرهاب بالتحليل ويتغاضى عن توظيف الإمبرياليّة ودعمها لها، منذ تأسيس حركة الإخوان المسلمين سنة 1928 بدعم من السفارة البريطانية (وهي التنظيم الأم لأغلب التنظيمات والقيادات الإرهابية في تاريخ الوطن العربي الحديث) حتّى يوم الناس هذا.
*كاذِبٌ من يُندِّد بالإرهاب في تونس ويتعامل معه أو يدعمه في ليبيا والعراق وسوريا، فالمعركة واحدة لا تتجزّأ (دعت بعض قيادات حركة النهضة الإسلامية سابقاً إلى الجهاد في سوريا).
*كاذِبٌ من يتحدث عن الإرهاب ويغضّ الطرف عن القوى الإقليمية التي تدعمه فكرياً وماديّاً.
*كاذبٌ من يتشدّق، من جهة، بعدائه للإرهاب ويتحالف، من جهة أخرى، مع الإسلام السياسي الذي يُعتبر القاعدة الفكرية والنظرية للإرهاب. فمن قال إن بالإمكان جمع الشاة والذئب داخل نفس الزريبة؟
*كاذِبٌ من يستغلّ كل عملية إرهابية لتجريم الاحتجاج الاجتماعي ويجد فيها فرصة للنيل من الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يخوض معارك نقابيّة مهمّة منذ فترة لتحسين الظروف الاقتصادية.
*كاذِبٌ من يدّعي مواجهة الإرهاب ويتبنّى برنامجاً اقتصادياً ليبرالياً لا يساهم إلاّ في مزيد من الإفقار (وتلك هي طبيعة البرنامج الاقتصادي لحكومة الحبيب الصيد ومكوّنيها الرئيسيَّين حركة نداء تونس وحركة النهضة)، فيفتح، بذلك الواقع البائس، الباب على مصراعيه للتفكير بطريقة بائسة والارتداد للفكر الديني والتطرّف.
*كاذِبٌ من لا يُعير الجبهة الثقافيّة الأهمّية اللازمة في المعركة ضدّ التيارات الظلامية وإرهابها؛ فعلى سبيل المثال، قامت السلطة بإغلاق فضاء «مسار الثقافي»، وهو أحد الفضاءات (المساحات) الثقافية التقدمية في أحد الأحياء الشعبية في تونس العاصمة، بينما لم تحرّك ساكناً إزاء الجمعيات الإسلامية المشبوهة التي تشكّل أحد مداخل استقطاب و«دمغجة» أبناء الضواحي.
لا تنفكّ الحكومة والأحزاب الحاكمة تُردّد أنّ الحرب على الإرهاب حرب طويلة الأمد. وستكون فعلاً أطول ممّا نعتقد إذا بقيت قيادة المعركة بيد اليمين، بشقّيه الليبرالي والديني، الذي يبدو أنّه غير صادق في مواجهته للإرهاب. فإذا أردنا أن نُوقف عدّاد الشهداء ونُشغِّل عدّاد الأعداء، فعلى القوى الثورية واليساريَّة أن تتسلّم قيادة هذه المعركة وغيرها من المعارك الوطنيّة والديموقراطيّة.

"الأخبارــ العدد ٢٦٢٨ الثلاثاء ٣٠ حزيران ٢٠١٥ "