mercredi 12 novembre 2014

فوضى الإعلام التونسي



منذ سقوط بن علي وبعد كل محطة سياسية مهمة تلغي أغلب وسائل الإعلام برامجها و منوعاتها المفيدة و المهمة لتبيع المادة الأكثر رواجا و لتُساير الموضة و هي البرامج السياسية ، لكن البائع في وسائلنا الإعلامية الفذة لا يتغير ( نحن مبدعون في كل شيء ) . فالإعلامي الذي كان يجري حوارا حصريا مع "فاطمة بوساحة" قبل 14 جانفي ينفرد اليوم بحوار حصري لراشد الغنوشي و ربما هو محق لأن كلاهما يرقص و يرقِّص على طريقته الخاصة ، و الإعلامي الذي كان يقدم برنامجا عن الطبخ يتحدث اليوم عن تشكيلات الحكومة المحتملة . طبعا لماذا نغير إذا كانت كلها طبخات مع فارق في مقدار الزيت و الملح !! لكن المشهد الإعلامي المرئي ليس سوداويا إلى هذه الدرجة فالقناة الوطنية التونسية تعبر فعلا عن روح الوطن و توقه للحرية و لا أدل على ذلك طبيعة الضيوف و المثقفين الملتزمين بقضايا الشعب : إنها قناة مولعة بصلاح الدين الجورشي ، هذا المحلل الذي لا يشق له غبار يعتقد أن تحليل الوضع السياسي و الإقتصادي الإجتماعي يعني الحديث عنه ببطء ! تخيلوا أنه بعد الإنتخابات التشريعية إستنتج أن على حركة النهضة بعد هزيمتها أمام نداء تونس أن تقوم بنقد ذاتي !! يا لهذا الفتح النظري الكبير..

و لمقدمي البرامج في تونس أسلوب فريد في إدارة النقاش فهم في بعض الأحيان لا يطرحون الأسئلة على ضيوفهم بل يكتفون بجملة إخبارية و ربما فقرة كاملة . لا أعرف لماذا لا يستعير الضيوف آنذاك مقولة سعيد صالح في مسرحية مدرسة المشاغبين حين صرخ في وجه أستاذته : " فين السؤل ؟ أنا أحطّ إيدي عالسؤال تلائيني فُرِّيرَة ".
و هم أصحاب رأي و ليسو منظمين لسيرورة النقاش فقط و لا يجدون حرجا في التعير عن إمتعاضهم و فرحهم بل يصل بهم الأمر حد توبيخ الضيف في بعض الأحيان ، مع العلم أن أغلبهم يستحق التوبيخ . 
المواضيع المطروحة هي في غاية الأهمية و هي تجيب عن كل تساؤلات المواطن حيث لا تخلو طاولة نقاش من الحديث عن " التوافق" . التوافق عندنا كلمة للسر و لكن لا أحد يعرف حول ماذا إختلف الجماعة ليتفقوا ؟ و هل فعلا هم مختلفون ؟ إنها مرادف لكلمة " إقتسام" . لا تستغربوا فحتى اللغة العربية أصبح لمصطلحاتها مدلولات أخرى بعد 14 جانفي : أن نتوافق يعني أن نقتسم السلطة لذلك كثيرا ما يشدد عليها الطرف السياسي الأضعف و ينفر منها القوي فهي مرادف عنده ل "التنازل".
و الآن بعد الإنتخابات التشريعية أصيب إعلامنا بإسهال سياسي صاحبه هذيان حاد : "نتحالف..لانتحالف..لا..نتحالف" و لن يتوقف هذا الهذيان قبل شهيرين من الآن أو قل بتعبير أدق لتخف وطأته قليلا...باختصار إعلامنا خاصة المرئي منه ( و هو الأكثر تأثيرا في الرأي العام ) بعيد كل البعد عن مشاغل الناس و عن النقاش الفكري العميق الذي يتمثّل أهمية الحدث الذي هز البلاد منذ 17 ديسمبر 2010 و غير وجه المنطقة برمتها من حيث المقدمين للمادة الإعلامية و المواضيع التي تطرحها و نوعية الضيوف . إنه إعلام الطبقات الحاكمة لتسطيح وعي الطبقات المحكومة . على الصحفيين الجادين و المنحازين لقضايا الشعب و هم موجودون خاصة بقطاع الصحافة المكتوبة أن يخترقوا الإعلام المرئي ليكون مرآة يرى فيها المجتمع قبحه دون مساحيق تجميل.

تونس : الإنتخابات ليست حلاًّ


تستعد تونس للإنتخابات التشريعية و الرئاسية و رغم ما يبدو من إختلاف و تناقض بين الأحزاب السياسية و المترشحين فإهم يدعون جميعا من يمينهم إلى يسارهم أن الورقة التي سيضعها الناخب يوم الإقتراع مكتوب عليها الوصفة السحرية لتجاوز الأزمة التي تعيشها البلاد على مختلف الأصعدة منذ عشرات السنين . فما مدى صحة هذا الإدعاء ؟ و هل سيكون فعلا صندوق الإنتخابات بمثابة مصباح علاء الدين الذي تتحقق به أماني الناس بمجرد الإعلان عن نتائجها ؟
للإجابة على هذان السؤالان يجب العودة قليلا للوراء و تتبع تسلسل الأحداث في تونس حتى يتسنى لنا قراءة هذا الحدث ( أي الإنتخابات ) ضمن سياقه التاريخي و الظروف الموضوعية التي فرضته . أدركت الجماهير يوم 17 ديسمبر 2010 بوعيها الحسي و مع تدنِّي ظروفها الإقتصادية و الإجتماعية أن النظام الحاكم في تونس أصبح عائقا أمام تقدمها و أنه سبب بؤسها و شقائها فصاغت الشعار المركزي للإنتفاضة ـــ مستلهمة إياه من إحدى أبيات الشاعر الخالد أبو القاسم الشابي ـــ :"الشعب يريد إسقاط النظام" . إن هذا الشعار الثوري يعني الإطاحة بالطبقات الحاكمة و المرتبطة بالدول الإمبريالية خاصة فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية لكن ما حصل يوم 14 جانفي 2011 بهروب بن علي هو إسقاط لرأس النظام أما الجوهر الحقيقي للنظام بتشكيلته الإقتصادية و الإجتماعية و إرتهانه لتلك البلدان فلا يزال على حاله . و منذ ذلك التاريخ و عملية قصف العقول ماضية على قدم و ساق لإيهام الناس أن الثورة إنتصرت و أن النظام قد سقط ، كل ذلك حتى يقع قطع الطريق أمام كل محاولة للإحتجاج و تجريمها . لكن الحقيقة التي ترسل أشعتها في كل أرجاء تونس أن الشعب لا زال يئنُّ تحت وطأة الفقر و أن ما يتم إنتاجه منذ 14 جانفي 2011 لا يعدو كونه ديمقراطية شكلية تتداول من خلالها الرجعية الليبيرالية و الرجعية الدينة على الحكم دون المس بجوهر النظام و إختياراته الإقتصادية المرتهنة للدوائرالإمبريالية ، و هو ما حصل تقريبا في أروبا الشرقية التي تحولت بلدانها إلى قواعد عسكرية لحلف الناتو . و في هذا السياق تتنزّل هذه الإنتخابات التي تهدف لإيجاد شرعية جديدة بعد تآكل شرعية الترويكا الحاكمة منذ 23 أكتوبر 2011 و على رأسها حركة النهضة الإسلامية . و لن تختلف طبيعة السلطة القادمة عن سابقتها بالنظر إلى طبيعة التناقض الرئيسي الذي يشق القطر التونسي و كافة أرجاء الوطن العربي و هو التناقض بين الإمبريالية و عملائها من جهة و بين الطبقات الشعبية من جهة أخرى ، ذلك أنه في ظل واقع موسوم بغياب حل للمسألة الوطنية العالقة فإن الإنتخابات ليست سوى جسرا لتعويض عملاء مفضوحين بعملاء جدد أو للمحافظة على نفس العملاء بمزيد إضفاء شرعية زائفة على حكمهم . و لا تمثل الإنتخابات التونسية خروجا عن هذه القاعدة و هي تتم عبر توجيه للرأي العام من قبل أغلب وسائل الإعلام التي تتنافس في الدعاية إمَّا لحركة "نداء تونس" الذي يتأرسها الباجي قايد السبسي (صاحب التاريخ الأسود في رأس وزارة الداخلية خلال الستينات من القرن الماضي و عضو برلمان بن علي ) و إمَّا لحركة النهضة التي حوَّلت البلاد لمرتع للعصابات الإرهابية الإسلامية و أصبحت تونس بفضلها من المصدرين الأوائل للإرهابيين في سوريا و العراق . إن هذا الصراع بين هتين الحركتين اليمينيَّتين هو صراع داخل نفس النظام فقد تم الإتفاق بينهما و مع الأطراف الدولية الراعية لهما على ما هو أساسي كالتوجهات الإقتصادية اللاوطنية و اللاشعبية ، أمَّا ما بينهما من إختلافات فهي عبارة عن جزئيات تتعلق بتصوّراتهما للنمط المجتمعي الذي يجب أن يسود في تونس . 
وقد وُضع لهذه الإنتخابات قانون إنتخابي على مقاس الأحزاب الرجعية حيث كان من المفترض أن يتم تخصيص نسبة للشباب و النساء و العمال ...و أن تكون الدوائر الإنتخابية صغيرة جغرافيا ليتمكن الناخب من إختيار نواب يعرفهم و يعرف نضاليتهم . لكن الذين يشكلون المشهد السياسي المتعفن في تونس لا يمكن لهم إلا أن يصوغوا قانونا إنتخابيا يضمن لهم إستمرارية حكمهم بعد الإنتخابات . أضف إلى كل هذا المال السياسي الذي تملأ به القوى الخليجية و الدولية جيوب حلفائهم لمساعدتهم للوصول للسلطة ، و قد إعترف شفيق صرصار رئيس الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات بإستحالة مراقبة المال السياسي . إن هذا الإعتراف هو عبارة عن تصريح ضمني بأن الإنتخابات مزورة قبل وقوعها !!!وتكشف عديد الطعون المقدمة ضد بعض أعضاء الهيئة المشرفة على الإنتخابات (خاصة الهيئات الفرعية) و بعض المنظمات المعنية بمراقبة سير الإنتخابات عن إختراقها من بعض الأحزاب خاصة حركة النهضة . و لم تختلف هذه الحملة الإنتخابية عن إنتخابات 23 أكتوبر 2011 في اللجوء لبعض الأساليب القذرة التي لا تساهم في الإرتقاء بوعي المواطن و إنما ترسخ لديه ثقافة متخلفة و من ذلك اللعب على وتر "العروشيَّة" (القبلية) و الجهويَّة و دغدغة المشاعر الدينية للجماهير ورشوة الناخبين بأعمال الإحسان ـــ خاصة من قبل الجمعيات الإسلامية القريبة من حركة النهضة ــــ التي لا تساهم إلا في تخريب الوعي الطبقي للجماهير . و قد وصل السقوط الأخلاقي و القيمي الذي يميِّز جلَّ الحملات الإنتخابية حدّ دعوة رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي لقبول الرشاوي و عدم التصويت لمنافسيه . 
ختاما فإنه و بالرجوع لكل ما سبق لن تكون الإنتخابات القادمة سوى حلقة من مسلسل الإلتفاف على إنتفاضة 17 ديسمبر و هي الطريق لترميم النظام بعد ما أصابه من هزات متتالية و من هنا فإن مقاطعة هذه المسرحية التي سيصل عبرها بعض المجرمين للسلطة و مواصلة النضال ضد هذا النظام و رفض الإنخراط ضمن منظوماته و ميكانيزماته التي يجدد بها نفسه بعد كل أزمة ( و منها الإنتخابات القادمة) هي الطريق لتحقيق مكاسب ملموسة للمضطهدين الذين حولتهم الأحزاب العميلة و المنافقة إلى مجرد أوراق إنتخابية .

عن مواجهة الإرهاب


تمثل حركات الإسلام السياسي بمختلف تفريعاتها التعبيرة السياسية الأوضح للثورة المضادة منذ إندلاع الإنتفاضات العربية في تونس . و قد أصبح الخطر الذي تمثله هذه الحركات يصل حد تهديد الوجود المادي للأمة العربية عبر ممارساتها المتوحِّشة المعادية لكل أشكال الحضارة الإنسانيِّة من تفجيرات إرهابيِّة و إغتيالات و سبي للنساء و التهجير القصري للسكَّان و تسليط العقوبات الجسدية المستخرجة من زمن الرعب كالصلب و الجلد و قطع الأيادي و الرؤوس . و بسبب هذه الممارسات وصلت المأساة العربية إلى ذروتها فترى السوريِّين يهربون من سوريا و العراقيين يهربون من العراق و الليبيِّين يهربون من ليبيا . هذا المشهد العربي المفزع لم نعشه منذ تهجير الفلسطينيين سنة 1948 و سينتهي خلال بضع سنوات إلى تغيير الخارطة الجغرافية و السياسية للمنطقة و نشوء كيانات و بلدان جديدة ( و هو ما يحصل الآن ) . كما ستصل إلى السلطة جماعات و أشخاص و أحزاب معادية عداءً أكثر فجاجة مما هي عليه اليوم للمضطهدين و رافضة لكل القيم الحداثة التي راكمتها الإنسانية عبر قرون .
في خضم هذا المخاض العسير الذي يعيشه الوطن العربي فإنه على كل الثوريين و التقدميين الإضطلاع بمهام جسيمة لتجاوز الواقع المظلم الذي يحاصرنا و مواجهة الحركات و التنظيمات الإسلامية الإرهابية التي تجتاح المنطقة . و حتى تُكلَّل هذه المعركة بالنصر فإنها يجب أن تُخاض على عدة جبهات .
لنبدأ من معادلة بسيطة : كل من يحمل السلاح ضد الأوطان و الشعوب يجب أن يواجه بالسلاح ، فليست المقالات و الكتب و القصائد هي من ستقضي على هاته المجموعات و مثلما يقول أنجلز و ماركس في كتاب الإديولوجيا الألمانية " ليس النقد هو القوة القائدة للتاريخ بل الثورة " .
لكن في المقابل السلاح الأعمى الذي لا يهتدي بنور الفكر الثوري و التقدمي هو سلاح للقتل و ليس للتحرير و قد تأكد عجزه عن تحقيق النصر على الرجعية . فعلى سبيل المثال بالرغم من التضييق على الحركات السلفية و الإسلامية خلال فترة لا بأس بها من حكم بن علي فإنهم عادوا بقوة بعد سقوطه إثر إنتفاضة 17 ديسمبر و ظهر على السطح ما كان راكدا في القاع . و كذلك في سوريا تبيَّن أن للإسلاميين إمتدادهم الشعبي رغم الحصار و الملاحقة التي فرضها النظام السوري عليهم خاصة منذ الأحداث الدامية التي تسببوا بها في حماة سنة 1982 (كان حُكم الإنتساب للإخوان المسلمين في سوريا الإعدام ) . و هو ما يحيلنا على جبهة مهمّة في مواجهة الإسلام السياسي وقع إهمالها و هي الجبهة الثقافية و الفكرية . فَفي هذا الظلام الدي يحاصرنا يضاهي البعد الثقافي في النضال أهمِّية الكفاح السلاح لأنه يهدف إلى خلق شعلة تنير درب الجماهير التي لا يود لها الأعداء أن ترى النور. من هنا فإن تعرية الإسلام السياسي عبر تقويض أسسه الفكريَّة تعدُّ من أوكد المهمات المطروحة على الثوريين و فضح العداء الذي يكنه الإسلاميون بجميع تفرُّعاتهم للديمقراطية و للمرأة و للفكر التقدمي بصفة عامة . و في هذا الصدد يقول المفكر التونسي العفيف الأخضر في بحثه ـــ الشعبوية الأصولية : من أين و إلى أين، صفحة 115 ـــ : " يرى راشد الغنوشي في مقالة "برنامج الفلسفة و جيل الضياع" ( مجلة المعرفة العدد 10 سنة 1973 ) أن تدريس ماركس ، فرويد و سارتر في برنامج الفلسفة بتونس كارثة على الأجيال الناشئة . أما مهزلة المهازل في نظره فهي برنامج الفلسفة الإسلامية الذي يبث بعض آراء المعتزلة ، ابن رشد ، ابن سينا و الأشعري بدلا من أراء إقبال ، المودودي ، الندوى ، البنَّا، محمد و سيد قطب و مالك بن نبي ، خاتما مقاله : " لذا فإني أقترح أن يوارى التراب على هذه المشكلات الزائفة و كفانا ما أحدثته في تاريخنا من اضطراب و فتن و حروب ".
إن نقد الإسلام السياسي و مرجعياته الفكرية يفترض دراسة الظاهرة الدينية ـــ التي تمثل ركيزته ـــ دراسة موضوعية جريئة ، و تسعى سعيا حثيثا ليطال التفكير عديد السواكن و المسلمات في المجتمع العربي لأنه كلما إنحسرت دائرة المقدس إلاَّ و حقق العقل قفزات إلى الأمام في إتجاه تحرير الإنسان . و إذا كانت هذه المهمة قد إضطلعت بها البورجوازية ـــ و إن بشكل محدود ـــ في الدول الرأسمالية فإنها في دول الأطراف ـــ و منها الوطن العربي ـــ مهمة المثقفين الثوريين الذين يمثلون تطلعات الكادحين نحو التحرر و الإنعتاق .
تجد الجماهير في الدين عزاء لهم و تعويضا عن البؤس التي تعانيه و يمثل الإسلام السياسي الإجابة السهلة للكثير من المسحوقين عن أسباب معاناتها و تمردها ضد واقعها و كما يقول سمير أمين " ظهور الحركات التي تنتسب للإسلام هو في واقع الأمر التعبير عن التمرد العنيف ضد النتائج السلبية للرأسمالية القائمة فعلاً، وضد الحداثة غير المكتملة والمشوهة والمضللة التي تصاحبها." و من هذا المنطلق فإن مواجهة الإرهاب الإسلامي يتطلب مواجهة الأنظمة العميلة في الوطن العربي و النضال من أجل بناء العالم الإشتراكي على أنقاض العالم الرأسمالي المتوحش . إنها جبهة أخرى في غاية الأهمية : "الجبهة الإقتصادية " وهي مكملة للجبهتين السابقتين(العسكرية و الثقافية) في هذه المعركة المفتوحة على كل الإحتمالات مع الإسلاميين . هذا النضال الإقتصادي يجب خوضه على مستويين رئيسيين : 
ـــ الأول : النضال من أجل تحسين الظروف المعاشية بالنسبة للجماهير لأن هذه التيارات كثرا ما تراهن على المهمشين و المعطلين و المفقرين ذلك أن "الإنسان عندما يعيش حياة بائسة فإنه يفكر تفكيرا بائسا " (Don Deschamps- Le vrai systeme). 
ـــ الثاني : فضح العلاقة الوثيقة بين الرأسمال العالمي و الإسلام السياسي حيث أن كلاهما ينظِّر للصراع بين الحضارات بديلا الصراع الطبقي و التناقض بين البلدان الإمبريالية و الأطراف المهيمن عليها . أضف إلى ذلك تقديس الإسلاميين للملكية الخاصة و تخريبهم للوعي الطبقي و الإنحراف به عبر مفاهيمهم الرجعية كالتسليم للقضاء و القدر والتسليم بواقع التفاوت الإجتماعي و الطبقي بين الناس و الصَّبر على الظلم و الإستبداد أملا في جنة السماء . ذلك هو الإسلام السياسي : إنه تيار للخضوع و التسليم و ليس تيارا للتقدم و التحرير.
و خلافا لما يعتقده كثيرون عن إمكانية تقسيم الإسلاميين إلى معتدلين ومتطرفين فإن للإسلام السياسي نفس الغايات و الأهداف رغم إختلاف تكتيكاتهم و وسائلهم و هم ينهلون من نفس المرجعية الفكرية المتحجرة لابن تيمية و سيد قطب . و بالتالي فإن مقاومة الإرهاب هي في نهاية الأمر مقاومة للإسلام السياسي في كلِّيته .

إن مواجهة المجموعات الظلامية و إرهابها هي مواجهة شاملة تخوضها أساسا القوى الثورية التي تحمل بديلا إقتصاديا إشتراكيا و ترفع راية الفكر التقدمي الذي يساهم في إعادة بناء الإنسان العربي المتحرر من شوائب الإقطاعية و الأفكار الغيبية في نظرته لنفسه و للعالم ، و هي القوى التي تؤمن قولا و فعلا أن البندقية هي السبيل للحرية .

رؤوس أقلام


لا يحتوي هذا المقال أفكارا مترابطة حول نفس الموضوع بل هو عبارة عن تجميع لجملة من الأفكار و المواقف كتبتها خلال سنتين و نيف بعضها إرتبط بالوضع السياسي في تونس و في الوطن العربي ، و بعضها الآخر لم تكن لها علاقة بالشأن العام بقدر ما كان لها علاقة بأحاسيس تملكتني فتحولت لحبر يزيِّن أو يلوث ( حسب مرجعية القارئ ) بياض الأوراق :

ـ البوعزيزي، شهيدُ البطالة والقهر والبؤس الإجتماعي يُشعلُ غضبَ الأهالي ويوقضُ فيهم وعيَهُم الكامن .. وعيهُم الحادّ، آنهضي بوزيد وآنفضي عنك غُبار الصّمت والخُضوع (19 ديسبر 2010 )

ـ الثمن كان غالي و لكن ليس أغلى من الوطن ( 25 ديسمبر 2010 : بعد يوم واحد من سقوط أول شهيد خلال إنتفاضة 17 ديسمبر في تونس و قد كان ذلك بمدينة منزل بوزيان )

ـ إن المحك الحقيقي لنجاح الانتفاضات و الثورات هو تلبية مطالب المنتفضين في حياة افضل وهو ما لا يمكن تحقيقه بنفس النموذج التنموي المرتهن للدوائر الامبريالية و لاملاأت البنوك الدولية.

ـ كان سقف توقعات الناس بعد 14 جانفي مرتفعا في حين كانت منجزات حكومة الباجي قائد السبسي معدومة على أرض الواقع و هو ما سيدفعهم للمطالبة بإسقاطها.
كلّما اتسعت المسافة بين خطّ الآمال و التوقعات و خطّ المكتسبات الملموسة إلاّ و اقترب موعد اللجوء الآلي للاحتجاج في الشوارع.
من هنا يصبح تشكيل جبهة تضّم القوى للثورية و الديمقراطية و الشباب للإعداد و الاستعداد لهذه اللحظة ضرورة ملحة حتّى لا تصاب بالحيرة و الارتباك .

ـ ليس صمت الشعب خوفا أو لا مبالاة بل هو قراءة للواقع و استجماع لعناصر الحركة وليتذكر "الباجي قائد السبسي" – الجاهل بالتاريخ – أن " الشعب هو إلي يحكم وحدو و ما يدبر عليه حد ". ( مقتطف من مقال " السبسي كش مات" ، نشر نشر في جريدة الصباح بتاريخ 2 سبتمبر2011 )

ـ يبدو أن الغباء من سمات الأنظمة السلطوية: أوّلا لأنّ قادته لديهم تصوّر أبدي للسلطة و يعتقدون أنهم باقون إلى ما لا نهاية و ثانيا لأنهم لا يتعظون من تجارب التاريخ .

ـ حين يقود "المبزع و السبسي"المرحلة الإنتقالية
حين يتواصل التعديب
حين يتواصل سقوط الشهداء
حين تتواصل المحاكمات الجائرة
حين يقع تهريب رموز الفساد و تبرءتهم
حين يقع إقصاء الشباب
حين يعود التجمعيون للنشاط تحت حماية وزارة الداخلية
حين يقع ترقية القتلة و المجرمين
إعلم ان النضال متواصل وإعلم ان المسار الثوري متواصل ..لا سيادة في تونس إلا لشعبها..المجد للشعب.. لا صوت يعلو فوق صوت الشعب .


ـ البيروقراطية النقابية وضيفتها طمس الصراع الطبقي ، لا يمكن أن ترضي النظام بشكل كامل أو أن ترضي الشغيلة بشكل كامل وذلك حتى تحافظ على مساحة المناورة التي تمثل الضامن لاستمرار مصالحها و مواقعها .

ـ بعيدا عن القناعات السياسية ، لا أفهم أن يكون التونسي تونسيا دون أن تربطه علاقة عاطفية و وجدانية بالإتحاد العام التونسي للشغل .
لكن لابد أن نوجد تنظيما ينفذ المهمات التي يعجز عن تنفيذها الإتحاد العام التونسي للشغل فالإتحاد في النهاية منظمة نقابية و ليست أداة للتغيير الثوري ، قد نحب هذا التنظيم أكثر من حبنا للإتحاد ...

ـ سيموت الشهيد ليثأر للشهيد و سيستمد الأحياء رغبتهم في الموت من صرخات المعتقلين تحت ضربات جلاديـك ( مقال بعنوان "واقعية حمص " ،21 فيفري 2012)

ـ إذا كانت محاكم النظام العميل إختارت تبرئة القتلة فإن الشعب سيقرر الثأر من القاضي و المتهم "البريء"...سيموت الشهيد ليثأر للشهيد ( 14 جوان 2012 )

ـ من تسول له نفسه إنزال الراية الوطنية مكانه الطبيعي ليس فوق الارض بل مدفونا تحتها .

ـ الجماهير تبتدع كل مرة أشكالا نضالية جديدة و خروج الالاف لعدة كيلومترات خارج مدينتهم في مشهد جميل هو إبداع جديد ، سكون الجماهير لا يعني مطلقا موتها ، أصابوا الأعين حتى لا يميز الشعب الأعداء من الأصدقاء فكان الرد سريعا و وضع أهالي سليانة تجار الدين في خانة الأعداء. لن نفقد ثقتنا في هذا الشعب العظيم وسنظل كما يقول الشهيد فرحات حشاد نحب هذا الشعب.
الشعب ، والشعب وحده ، هو القوة المحركة فــــي صنع التاريخ !

ـ بين اليسراوية و الإنتهازية يتبدد الأمل الضئيل في الخروج من الأزمة التي تعصف بالحركة الطلابية و ذراعها النقابي الإتحاد العام لطلبة تونس. ( 10 فيفري 2012)

ـ إن الأنظمة التي لا تعبر عن تطلعات الطبقات المضطهدة في التحرر و الإنعتاق الإجتماعي تخشى كل صوت ينحاز لقضايا الشعب الكادح و يذكر الجماهير بانها هي محرك التاريخ. فهاهو النظام السوري المجرم يقرر ترحيل المفكر سلامة كيلة بعد أكثر من شهر من الإعتقال لأنه قام بدوره في "تعكير صفو السلطة" و تعرية النظام السوري من خلال نقد علمي و جريء لا يخلو من نفس وطني رافض لكل أشكال التدخل الأجنبي في مسار الإنتفاضة سواء كان ذلك الدوائر الإمبريالية أو الرجعيات العربية . كل التحية للكاتب سلامة كيلة الفلسطيني الذي قضى ثماني سنوات في سجون النظام السوري مؤكدا ان الهم العربي واحد و المصير العربي واحد.
إن المثقف الذي لا تفكر السلطة في إيقاف نزيف الحبر السائل من قلمه هو مثقف لا يقوم بدوره. ( 12 ماي 2012 )

ـ إن المثقف الذي لا تفكر السلطة في إيقاف نزيف الحبر السائل من قلمه هو مثقف لا يقوم بدوره. ( 12 ماي 2012 )

ـ الخزي و العار للضمائر المجمدة في ثلاجات البترودولار التي باعت الأرض و ساومت على الإنسان.

ـ كل رهان على غير الجماهير هو رهان خاسر بالضرورة و هدا ما أثبته التاريخ .

ـ كتيبة من المجرمين مكانهم الطبيعي في أقذر زنزانة سيتحولون بعد الإنتخابات إلى وزراء و نواب و رؤساء : هذه هي الحقيقة مهما حاولوا تزويرها.( سبتمبر 2014 )

ـ إن الممارسة السياسية بدون معرفة هي تمرد مؤقت و تخبط في المجهول الذي عادة ما تكون نتيجته الفشل أما المعرفة فهي ما يحول بين المناضل و بين الأحباط لأنها تزوده بنظرة نقدية للعالم تزيده إقتناعا أن الطريق لن يكون مفروشا بالورود و تعمق في ذات الوقت إيمانه بأن الأحلام ممكنة التحقق مهما بدت مستحيلة .
في هذا الظلام الدي يحاصرنا يتحول البعد الثقافي في النضال أفوى من السلاح لأنه يهدف إلى خلق شعلة تنير درب الجماهير التي لا يود لها الأعداء أن ترِى النور.(4 جوان 2012 )

ـ في هذا الظلام الدي يحاصرنا يتحول البعد الثقافي في النضال أفوى من السلاح لأنه يهدف إلى خلق شعلة تنير درب الجماهير التي لا يود لها الأعداء أن ترِى النور.(4 جوان 2012 )

ـ إن الانظمة التي تقف عقبة أمام حرية الشعوب لا يمكن أن تقود معارك التحرر.

ـ لا شيء مقدس و لاشيء فوق النقد .

ـ هناك في تونس من يقضي هذه الليلة في العراء و البرد لذلك يجب أن يسقط النظام . (جانفي 2013 )

ـ كل أنظمة العالم تستحق الرحيل ، عالم أجمل خال من التعاسة و الحروب و الجهل ممكن ، لنكن واقعيين و لنحلم بالمستحيل.

ـ الأقنعة تسقط من سليانة إلى بور سعيد .

ـالوطنية لا دين لها .

ـ تحكمنا أقليات لا علاقة لها بالشعوب لذلك يتواصل التصادم بين الشرعية الشعبية و الشرعية الإنتخابية الزائفة .

ـ الحرية تخلق المناخ الملائم للتفكير و الإنطلاق في التأمل في الذات و في الواقع و تناقضاته ، و كل عملية تأمل عقلاني تولد حتما وعيا ثوريا يهدف لنسف السائد و خوض معركة لا هوادة فيها ضد القائم .

ـ إنهض يا الفاضل ساسي من قبرك و تسلل بين مقاهي العاصمة و أرهف السمع جيدا فهناك همس يوحي بتآمر مخجل .

ـ في وثائق 18 أكتوبر وقعت حركة النهضة على عدة وثائق تلزمها باحترام " مدنية " الدولة و الديمقراطية و النتيجة "الرش الديمقراطي" و هكذا ستفعل في أي مؤتمر قادم ، ألا تتعضون من تجارب التاريخ ؟؟

ـ بعد إغتيال الشهيد شكري بلعيد يجب التفكير في كيفيةالرد على العنف و ليس الدعوة لمؤتمر ضد العنف يشآرك فيه القتلة و الإرهابيون .

ـ المرأة التي تختار أن تتعرى أمام عدسة الكاميرا تعتقد واهمة أنها تتحدى النظرة السائدة للمرأة و لكنها في الحقيقة تنطلق من نفس تلك النظرة الدونية التي تحصر المرأة في مجرد جسدها و هي تساهم في رواج الوجه الآخر للنظرة الرجعية والخطاب البائس عن النقاب و سواده و طول الحجاب و عرضه .
كلاهما نظرتان رجعيتان لقضية المرأة و لا تخرجان عن سياق تأبيد واقع إضطهاد المرأة . النضال من أجل تحريرالنساء كقوة من قوى الثورة يجب أن ينطلق من كون قضية المرأة قضية طبقية دون إهمال بعد مهم و هو النضال ضد العقلية الذكورية السائدة .
النساء نصف السماء . ( 25 مارس 2013 )

ـ مهنة الطب هي الدفاع عن حق مقدس هو حق الحياة و نضال مستمر ضد الموت ، و هذا الحق يود أن يجعله البعض حكرا على أصحاب المال في زمن النظام الرأسمالي الذي حول كل شيء إلى سلعة تباع و تشترى حتى أوجاع الناس، 
الطبيب الذي يقيس المريض بالدينار لا علاقة له بالمعركة من أجل الصحة الشعبية بل هو معرقل للوصول إلى هذا الهدف النبيل .

ـ إن الفنان الحقيقي هو الذي يلامس آلام الناس و أحلامهم حين تلامس أصابعه أوتار عوده. ( 21 ديسمبر 2011 )

ـ * كيف تنفصلان بهذه البساطة ؟
* المسألة معقدة جدا يا صاحبي و ليست بسيطة ، لم نعد نضحك لنفس الأسباب و لم نعد نحزن لنفس الأسباب لذلك إنتهى كل شيء..نحن نثور ضد من يسعد بشقائنا فكيف سنحب من لا نشترك معه في أسباب السعادة و الضحك ..أترى كيف أن المسألة معقدة جدا .

ـ أسئلة متطرفة :
*كيف يضحكون بهدوء و طمأنينة دون تساؤل أو تفكير في التناقضات التي تحاصرنا ؟
*كيف يطنبون في الحديث عن النساء دون حديث عن الحب و تحرير المرأة؟
*كيف يتحدثون عن إستثماراتهم و أعمالهم الجديدة دون حديث عن حقوق العمال ؟
*كيف يتحدثون عن الحواسيب و الهواتف الجديدة دون حديث عن المراقبة الدائمة للمكالمات الهاتفية من قبل المخابرات ؟
*كيف يتحدثون و يتحدثن عن قوارير العطر التي يساوي ثمنها مئات الدنانير دون حديث عن أن هناك أجراء يتقاضون أقل من مائة دينار ؟ 
إنهم غارقون في التفاهة من رؤوسهم حتى أخمص أقدامهم !! 

ـ قد لا تعنيك هذه المسألة كثيرا لكنها تعني لي الكثير ، أشكرك يا صديقتي لأن إقتحام حقل الكتابة الأدبية كان دائما هاجسا يراودني . و قد بدأت أتلمس تفاصيل هذا الحقل الجميل و الممتع و إني لا أبالغ حين أقول لك أن هذا الإقتحام جاء على إثر أمر أصدرته لي دون أن تشعري بذلك و نفذته مثل جندي يطبق أوامر قائده دون نقاش .

ـ لا نكتب إلاَّ حول الاشخاص المهمِّين و حتى إن كتبنا أشياء سيِّئة عنهم فقد أخذوا حيِّزا من وقتنا و جهدنا و من هنا تتأتَّى أهمِّيتهم في حياتنا ، الشَّخص الذي يُسيل نزيفا من الحبر فوق أوراقنا هو شخص مهمّ ، وحده الشخص التافه هو الذي لا نفكِّر فيه أو نكتب عنه .

mercredi 24 septembre 2014

لحظة الإنحياز


الآن..الآن.. لحظة الحقيقة بدون مواربة أو مجاز
الآن..الآن.. لحظة الإنحياز
لشهيد حيٍّ في مقبرة الجلاز
لحظة الإبتعاد عن يسار خاضع للإبتزاز

تجنَّب يسارا غبيًّا تحالف مع اليمين فوقع في الكمين
تجنَّب يسارا حاور القتلة قبل الإغتيال و أثناء الإغتيال و بعد الإغتيال 

أدر ظهرك لهم و تقدم
إستعد فالصراع الطبقي يحتدم
سلِّح نفسك.. سلِّح نفسك بفكرة الشعوب التي لا تهزم
حصِّن رأسك.. حصِّن رأسك من فكرة الصندوق و لا تتوهم

إملأ عينيك.. إملأ عينك بصور الدم المسفوح و الأشلاء
إملأ أذنيك.. إملأ أذنيك بصدى النحيب و العويل و البكاء
إرفع منسوب الحقد عندك و أوقف عدّاد الشهداء
عبِّئ صدرك بالكره و شغل عدّاد الأعداء

إنصهر في الجماهير فأوهامهم تتبدد
جهز نفسك و رفاقك فغضب الناس يتمدد ،
إبحث عن حلفاء وطنيين و إنتقل لوضعية الهجوم و لا تتردد
تشبث بنهج الثورة حتى و إن إتهموك بالتطرف و التشدد

و تذكر أن المقاومة بالسلاح 
في عصر جهاد النكاح 
هي أنجع طرق الكفاح 
لتحرير العامل و الفلاح

الآن..الآن.. لحظة الإنحياز
لشهيد حيٍّ في مقبرة الجلاز

lundi 8 septembre 2014


إن الممارسة السياسية بدون معرفة هي تمرد مؤقت و تخبط في المجهول الدي عادة ما تكون نتيجته الفشل أما المعرفة فهي ما يحول بين المناضل و بين الأحباط لأنها تزوده بنظرة نقدية للعالم تزيده إقتناعا أن الطريق لن يكون مفروشا بالورود و تعمق في دات الوقت إيمانه بأن الأحلام ممكنة التحقق مهما بدت مستحيلة .
في هدا الظلام الدي يحاصرنا يتحول البعد الثقافي في النضال أفوى من السلاح لأنه يهدف إلى خلق شعلة تنير درب الجماهير التي لا يود لها الأعداء أن ترِى النور.

samedi 30 août 2014

الحرب على غزة : الأسباب ، النتائج ،الدروس

بعد واحد و خمسين يوما من عدوان الآلة الحربية الصهيونية على قطاع غزة تم التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين فصائل المقاومة و العدو الصهيوني برعاية مصرية . و بعد كل معركة مع  العدو يتبادر للاذهان سؤال بسيط : هل إنتصر الكيان الصهيوني أم إنتصرت المقاومة ؟ و على الجواب  تتوقف الكثير من المسائل لاستخلاص الدروس المستفادة من هذه الجولة إستعدادا للجولة القادمة من الحرب المستمرة مع الكيان الصهيوني .

ـ فشل الكيان الصهيوني في تحقيق أهدافه من العدوان 1
لكل عدوان يشنه الكيان الصهيوني على قطاع غزة أو أي جزء من الوطن العربي أهداف معلنة و أخرى خفية لكن السبب الرئيس لأي هجوم هو أصلا وجود هذا الكيان كقاعدة عسكرية متقدمة للإمريالية في قلب الوطن العربي و هنا مكمن الداء و يجب دائما تذكير من نسي أو تناسى هذا الأمر و يجب دائما التحرك و النضال على هذا الأساس
أما بالعودة لسياق هذا العدوان ( و بعيدا عن ذريعة إختطاف ثلاثة مستوطنين في الضفة من قبل حركة حماس و التي ثبت في تحقيقات الشرطة "الاسرائيلية" كذب هذا الإدعاء ) فقد تزامن مع جدية غير مسبوقة من حركة حماس و حركة فتح لإنهاء حالة الإنقسام الفلسطيني ( نظرا لسقوط الإخوان في مصر و المواجهة التي يخوضها السيسي و مصر ضد الإخوان و ضد حركة  حماس التي تتهمها السلطة المصرية بالتورط في بعض الأعمال الإرهابية على أراضيها أما السلطة الفلسطينية و حركة فتح فوجدت نفسها مجبرة على ذلك لأن مسار التصفية التي تشبثت به بات مفضوحا أمام الشعب الفلسطيني و العربي) و المضي قدما في الإعلان عن حكومة وحدة وطنية بين حماس و فتح تحكم الضفة و القطاع فكانت هذه الضربة العسكرية تهدف لقطع الطريق أمام هذا الإجراء و تعطيل هذه المصالحة لكن الرياح الفلسطينية جرت بما لا تشتهيه السفن الصهيونية فتم تشكيل وفد فلسطيني مشترك للتفاوض غير المباشر مع العدو الصهيوني و رغم التناقضات الثانوية داخل هذا الوفد فقد حافظ على تماسكه و كان أداؤه إيجابيا ، و مع نهاية العدوان عبرت الأذرع العسكرية في بيان لها عن ضرورة الوحدة و تمسكها بها و بهذا فشل الكيان الصهيوني ـإلى حد الآن ـ في الوصول لمبتغاه الخفي من هذه الحرب
أما الأهداف المعلنة فكانت هي ذاتها عناوين عدوان 2008 و عدوان 2012 : القضاء على حركة حماس الإرهابية و نزع سلاحها ، إيقاف إطلاق الصواريخ باتجاه المستوطنات ...لكن ظلت الصواريخ تدك المدن و المنشآت الصهيونية و المطارات حتى الدقيقة الأخيرة قبل دخول إتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ . كما لم تتمكن وحدات جيش العدو من تجاوز مسافة واحد كيلومتر حين قررت حكومة نتنياهو إجتياح غزة عبر البر و تكبدت عديد الخسائر . و بذلك فشل الكيان الصهيوني في تحقيق أهدافه المعلنة من هذه الحرب .

ـ قراءة في إتفاق وقف إطلاق النار2
في الفقرة الماضية بحث في أسباب العدوان و أهدافه و بيان  لفشل لحكومة نتنياهو في تحقيق أي منها ، لكن هل يعني ذلك إنتصارا للمقاومة و للشعب الفسطيني ؟ هل نبني مقاييس نصرنا على أهداف العدو ؟ أم أن مقاييس النصر تختلف حين نختار المعركة و حين يفرضها علينا العدو مثلما حصل في المعركةالأخيرة ؟
كل هذه الأسئلة تتطلب تفكيرا هادئا و عقلانيا بعيدا عن الإندفاع العاطفي العفوي منه أو الذي سعت إليه حركة حماس لإستثماره سياسيا و مزيد الإحكام على قطاع غزة و لفرض بعض المسائل أثناء نقاش قضية الحكم المشترك بين حماس و فتح  
بعد بداية العدوان لم تبق حركة حماس و بقية الفصائل الفلسطينية مكتوفة الأيادي على المستوى السياسي بل طرحت جملة من المطالب حتى تقبل التهدئة الدائمة بينما كانت حكومة نتنياهوـ العالقة بعد أن عجزت عن تحقيق أي إنجاز ميداني عسكري ـ تطالب بتهدئة من الجانبين دون شروط ( تهدئة مقابل التهدئة ) .وكان أهم هذه المطالب رفع الحصار وإعادة تشغيل مطار غزة و الميناء البحري .
 عدة عوامل دفعت الفصائل الفيلسطينية لرفع هذه المطالب و الإصرار عليها أكثر من عدوان 2012 من أهمها التجربة التي راكمتها من الحروب السابقة على القطاع و حجم التضحيات الكبير الذي قدمه أهالي غزة و الذين يرفضون أن تذهب تضحياتهم سدى . أضف إلى ذلك عاملا مهما جدا في هذه الحرب و هو القدرة القتالية العالية للأجنحة المسلحة التي فاجأت العدو الصهيوني و العالم ( قام المقاومون بعمليات نوعية عديدة وصلت حد مفاجأة الجنود الصهاينة داخل الأراضي المحتلة من خلال إختراق مواقعهم عبر المرور داخل الأنفاق التي أصبحت غولا جديدا يؤرق المجتمع الصهيوني إنضاف لغول الصواريخ ) . و إذا كانت الحرب إمتدادا للسياسة فإن التفاوض إمتداد للحرب بأشكال أخرى و المفاوض الجيد هو المقاتل الجيد لذلك كان الوفد الفلسطيني أكثر تمسكا بمطلب رفع الحصار و غيرها من المطالب بالمقارنة مع عدوان 2012 . لا يمكننا أيضا أن ننسى أن حركة حماس الإخوانية و قطر حاولتا أن تعيدا توهج الإخوان المسلمين الذي خفت مع إنحدار شعبيتهم و شعبية الإسلام السياسي عموما الذي كانت ذروته السقوط المدوي للإخوان في مصر .
إنتهت الحرب بتوقيع إتفاق وقف إطلاق للنار برعاية مصرية و لم يتم تفصيل بنود الإتفاق كثيرا من قبل المحللين والمفكرين فانغمسوا في مشاهد الفرحة و إبتعدوا عن القراءة المتأنية للإتفاق .
إن نص الإتفاق الذي يعتقد البعض و يدفع البعض الآخر في إتجاه إخراجه نصرا كاسحا هو بعيد كل البعد عن ذلك فهو لا يختلف كثيرا من حيث الصياغة عن إتفاق التهدئة بين حماس و "إسرائيل" خلال عدوان 2012 ( باستثناء توسيع مجال الصيد البحري و هي النقطة الإيجابية في إتفاق التهدئة لسنة 2014 ) ، و هو ما يتضح جليا من خلال مقارنة بسيطة بين  الصياغتين حول مسألة المعابر: 
ـ إتفاق 2012
. فتح المعابر وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع وعدم تقييد حركة السكان أو استهدافهم في المناطق الحدودية، والتعامل مع إجراأت تنفيذ ذلك بعد 24 ساعة من دخول الاتفاق حيز التنفيذ.‌
ـ إتفاق 2014
توافق إسرائيل على فتح المزيد من معابرها الحدودية مع غزة للسماح بتدفق أيسر للبضائع بما في ذلك المعونة الإنسانية ومعدات إعادة الإعمار إلى القطاع.
ـــــــــــــــ
و يجب التذكير هنا أن إتفاق التهدئة لسنة 2012 تم إختراقه  من الكيان الصهيوني عبر شن هذه الحرب التي خلفت أكثر من 14000 بين شهيد و جريح ، من هنا لا يمكن أن نعد هذا الإتفاق إنتصارا بل لا يعدو كونه تحسينا لظروف الحصار ( هذا إذا تم الإلتزام بتطبيق بنوده مع العلم أن عشرات الإتفاقات الصادرة عن الأمم المتحدة حول القضية الفلسطينية لا زالت تنتظر من ينفذها منذ 1948 ) . لكن ذلك لا يعني أنه ليس هناك إيجابيات في هذه المعركة ، على العكس هناك عديد النقاط المهمة التي حققتها المقاومة إذا ما نظرنا لها من زاوية أخرى غير تلك التي تحصرها في مجرد إتفاق يضمن النظام المصري الإلتزام به ( كانت مصر راعيا لإتفاق 2012 الذي ينص على فتح المعابر و إلتزام إسرائيل بعدم الإعتداء على قطاع غزة ).

ـ دروس مستفادة من الحرب على غزة3
لم ينجح الكيان الصهيوني في تحقيق أي من أهدافه السياسية و العسكرية لكنه ككل مرة نجح نجاحا باهرا في قتل المدنيين و كانت صور الأشلاء البشرية شاهدا على همجيته و وحشيته و قد حانت اللحظة للتفكير في كيفية حماية المدنيين في المسقبل من غارات الطائرات الصهيونية حيث سقط أكثر من 3500 شهيد فلسطني خلال ثلاثة حروب في ظرف 6 سنوات و من غير المعقول أن لا تسعى الفصائل الفسطينية داخل القطاع للتفكير في هذه المسألة .إذا ألقينا نظرة على إستراتيجية العدو في حماية مواطنيه سنجد أنه أقام الملاجئ تحت الأرض منذ خمسينات القرن الماضي فكيف لا يفكر فيها الفلسطينيون ولا يناضلون من أجل فرضها بالتوازي مع إعادة الإعمار !! بدون بناء هذه الملاجئ سيبقى المدنيون ورقة للضغط على المقاومة في أي معركة قادمة و تمنعها من خوض حرب طويلة خاصة أمام عدو متعطش للدماء. لكن بالرغم من كل التضحيات و العدد المخيف للشهداء و الجرحى و الدمار الذي حل بالبنية التحتية للقطاع فإن لهذه الحرب إيجابيات عديدة وهي :
ـ تمسك أهالي غزة بنهج المقاومة و إستعدادهم للتضحية من أجله و إقتناعهم بأنه الوحيد القادر على تحقيق إنجازات ملموسة في مواجهة مسار "التسوية" الذي تبين بعد عشرات السنوات أنه لا يقدم إلا السراب للأمة العربية .
ـ تبين من ما لا يدعو مجالا للشك أن الجيش الصهيوني من أضعف الجيوش من حيث التركيبة النفسية لجنوده و أنه جيش يذل و يهزم و يقهر إذا ما توفرت إرادة لمواجهته و أصبحت قصة الجيش الذي لا يقهر هي مجرد نكتة .
ـ تمكنت صواريخ المقاومة من شل الحياة داخل عديد المستوطنات و المدن الصهيونية و هذا بعد مهم للصراع الطويل من أجل إزالة الكيان الصهيوني و هو ما أصبح يعرف بتوازن الرعب مع العدو (60 بالمائة من الصهاينة داخل فلسطين المحتلة لا يحسون بالأمن ) . و عليه فإن المستوطنين لا يجب أن يكونوا بمنأى عن ضربات المقاومة ، حرب ضروس تطال مصانع العدو الصهيوني و مزارعه و مؤسساته و تشل الحياة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة هي السبيل للتحرير .
ـ كان أداء الوفد الفسطيني المفاوض في القاهرة إيجابيا نتيجة الوحدة التي ميزته . صحيح أن الإتفاق الذي وصل إليه كان دون المأمول نظرا لأن المكاسب السياسية تستوجب تغييرا حقيقيا للخريطة الجغرافية و تغييرا لموازين القوى . إن وحدة القوى الفلسطينية ضرورة ملحة لكنها يجب أن تكون على قاعدة المواجهة مع العدو و على أساس برنامج تحرير شامل و كل وحدة يكون هدفها سراب السلطة تحت الإحتلال و إقتسامها سرعان ما ستنفجر و ستعيدنا للمربع الأول .
ـ حاول الفلسطينيون فرض التفاوض تحت البندقية و لم يرضخوا في البداية لضغط المصريين و مطلب نتنياهو المتعلق بوقف إطلاق النار المتبادل كشرط للتفاوض ،و هو توجه جيد (أي المفاوضات تحت النار )إذا ما تم تطويره لتجاوز سقف و مرجعية أوسلو لكنه يتطلب أولا الإيمان بالبندقية الموجهة ضد العدو الصهيوني قبل مفاوضته و النضال من أجل إستعادة الكفاح المسلح لمكانته في الصراع العربي ـ الصهيوني .
ـ شهدت بلدان أوروبية عدة و لاتينية مسيرات حاشدة نصرة لغزة و تنديدا بالعدوان و يجب النضال من أجل مزيد فضح العدو لدى الرأي العام الغربي عبر تشكيل لجان عربية داخل البلدان الكبرى و المؤثرة في السياسة الدولية (فرنسا، أمريكا، بريطانيا، اليابان، روسيا...) تكون مهمتها التعريف بحقيقة القضية الفلسطينية منذ  1948 حتى تصبح شعوب تلك الدول عامل ضغط على حكوماتها المتحالفة مع الحركة الصهيونية العالمية .

ختاما ، لابد من التذكير أن الكيان الصهيوني هو من إختار توقيت هذه الحرب و أنه طالما لا زالت المقاومة الفلسطينية في وضعية دفاع يفرض عليها العدو توقيت المعركة فهي في حالة ضعف مهما بدت قوية لأن التحرير يتطلب الهجوم و توجيه الضربات و ليس البقاء في حالة دفاع إستراتيجي . و من الواضح أن معايير النصر و الهزيمه تغيرت نظرا للضعف العربي و الحاله الفلسطينيه فأصبحنا حين يفشل العدو في تحقيق أهدافه نندفع بعواطف جياشه و نقول إنتصرنا .
يجب النضال من أجل مستقبل نكون قادرين فيه على المبادرة بالهجوم و فرض المعركة على العدو من أجل أهدافنا و تجاوز حاضرنا الذي يفرض علينا فيه العدو توقيت المعركة و نكتفي فيه بصد الهجمات المتتالية و إفشال أهدافها .

vendredi 29 août 2014


لا يجب أن يكون المستوطنون الصهاينة بمنأى عن أهداف المقاومة..حرب ضروس تطال مصانع العدو الصهيوني و مزارعه و مؤسساته و تشل الحياة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة هي السبيل للتحرير 

dimanche 27 juillet 2014


حين تسمع قياديا نهضاويا يصرخ متأثرا بعد كل عملية إرهابية " الإرهاب يجب أن يبقى بعيدا عن المزايدات السياسية " فترجم كالآتي : " يجب أن يبقى الارهاب بعيدا عن تحديد المسؤولين السياسيين عنه"
هذه الجملة دليل إدانة لقائلها

خطاب حسن نصر الله عبر عن توجهات أكثر تقدمية و راديكالية وعمقا من بعض المتشدقين بالماركسية والليبيراليين ، لذلك تجدهم ينتقدون سكناته و نظراته و حركاته بدل نقاش مضمونه لأنهم إذا أقدموا على ذلك ستظهر حقيقتهم ..إنه السقوط الأخلاقي و القيمي الذي يميز العمل السياسي في الوطن العربي 

mercredi 16 avril 2014

الإسلاميون و تخريب الحركة الطلابية


أصبحت الساحة الجامعية ما بين فيفري 1972 و حتى إنعقاد المؤتمر 18 الخارق للعادة سنة 1988 فضاء ثريا للنقد الجريء للخيارات الإقتصادية و السياسية التي تبنتها سلطة الحبيب بورقيبة وكيلة الإستعمار الجديد و وصلت حد وضع وطنية النظام في الميزان و أصبح واضحا أن الحركة الطلابية تمثل تهديدا للطبقات الحاكمة نظرا للأطروحات الثورية التي إتسعت دائرة إستقطابها للجماهير الطلابية . و قد أدرك النظام خطورة هذا الأمر على مخططاته لذلك توجه إلى تحريك طابور خامس داخل الحركة الطلابية لشق وحدة الصف الطلابي تمثل في أتباع التيار الظلامي ( حركة الإتجاه الإسلامي سابقا و النهضة حاليا)و دفعه  إلى إنشاء منظمة حزبية في الجامعة تابعة لهذا الطرف إدعت أنها منظمة نقابية و لم تكن تهدف في الحقيقة إلا لتمرير المشروع المجتمعي للإسلام السياسي و كان قادة حركة الإتجاه الإسلامي و على رأسهم راشد الغنوشي يتبنون مقولة " أسلمة الجامعة من أجل أسلمةالمجتمع".



و قد حظي المؤتمر الإنشقاقي عن الإتحاد العام لطلبة تونس الذي قاده الإسلاميون سنة 1985 كل الدعم من حكومة مزالي في حين إستعملت السلطة شتى الوسائل لمنع إنعقاد المؤتمر 18 الخارق للعادة و تم ملاحقة و سجن مناضلي الإتحاد صلب الهياكل النقابية المؤقتة .لم ير طلبة الإتجاه الإسلامي في الإتحاد العام لطلبة تونس سوى خلية دستورية و أداروا ظهرهم لكل التضحيات التي قدمتها الحركة الطلابية و تنكروا لنضالات المعارضة القاعدية داخل الإتحاد التي قدمت الشهداء و مئات المساجين و رسمت بتضحيات مناضليها عديد المحطات المضيئة في تاريخ الحركة الطلابية و من أهمها حركة 5 فيفري 1972 التي إعتبرها أولئك الظلاميون حركة "علمانية معادية للثقافة الإسلامية"!!

أسست حركة الإتجاه السلامي إثر المؤتمر الإنشقاقي ـــ المذكور أعلاه ــــ سنة 1985 منظمة جديدة سموها  "الإتحاد العام التونسي للطلبة"  و قاموا من خلال ذلك بتقديم خدمة جليلة للنظام حيث قامت تلك المنظمةالموازية بضرب الوحدة النقابية للطلاب ، و بعد أن كان التناقض الرئيسي داخل الجامعة التونسية بين خيارات النظام اللاوطنية و اللاشعبية تم الإنحراف بالصراع عن وجهته الحقيقية و إتسع الصراع بين مناضلي الإتحاد العام لطلبة تونس و بين الطلبة الإسلاميين الذين مكنتهم السلطة من كافة وسائل الدعاية و سمح لهم بإنشاءعدد من المجلات مثل مجلة "الحبيب" ( كان إسم المجلة شكلا من أشكال التقرب للرئيس الحبيب بورقيبة) و مجلة "المعرفة" التي كانت تطبع في مطابع النظام ، بهدف محاصرة الأطروحات اليسارية و التقدمية و الحيلولة دون مزيد إتساعها داخل أسوار الجامعة . و قد إعترف محمد الصياح ــ أحد أهم رجال حزب الدستور في تلك الفترة ـــفي كتاب " فصول من تاريخ اليسار التونسي " لصاحبه عبد ا لجليل بوقرة عن لقاأت كانت تجمعه ببعض مؤسسي حركة الإتجاه الإسلامي و هم أساسا عبد الفتاح مورو وحسن الغضباني (و هم من مؤسسي حركة الإتجاه الإسلامي) للتنسيق معهم لضرب القوى اليسارية و التقدمية .

و قد مارس طلبة الإتجاه الإسلامي خلال تلك الفترة من الصراع كل أشكال العنف ضد الطلبة لفرض آرائهم و أفكاتهم الرجعية و لم يكن حديثهم عن الديمقراطية سوى ضحكا على الذقون و قد كانت ممارساتهم الرجعية داخل أسوار الجامعة تفضح وجههم الحقيقي ، حيث جعلوا ما سموه ب"اليسار الماركسي" و "العلمانية" تناقضهم الأول و الأخير الذي لا بد من مواجهته و تطهير الجامعة منه ، أما الإمبريالية و عملاؤها أو الصهيونية أو الخيارات اللاوطنية للنظام فلم تكن من أولويات اليمين الديني .و بذلك كان الإسلاميون ومنظمتهم داعما رئيسيا للنظام ، وكيف لا يكونون إحتياطيا له و هم الذين وقفوا في صفه حين كان يرتكب (المقصود النظام الحاكم) المجازر في حق ابناء الشعب إثر إنتفاضة 26 جانفي 1972 بقيادة الإتحاد العام التونسي للشغل ، آنذاك ندد الظلاميون بتلك الإنتفاضة و بتحركات الجماهير و إعتبروها "همجية" و لا أدل على ذلك ما ورد في مجلتهم "المعرفة" العدد 4 :"إنننا نؤكد من جديد أن التيار الإسلامي هدفه البناء و الإصلاح و لا يرى جدوى في إحداث الفوضى في الشارع باعتبار أن الفوضى لا تخدم الإسلام و لا المسلمين". و لا يمكن قبل أن ننهي هذا المقال أن لا نذكر بمقفهم المشين أيضا من عملية قفصة الذين عبروا عنه بكل سفاقة في جريدة "الرأي" قائلين : " نحن نندد بشدة بعملية قفصة و بمن دبرها و وقف وراءها و ساندها و روج لها "



إن البحث المعمق في تاريخ الإسلام السياسي في تونس منذ نشأته و مواقفه السياسية داخل أسوار الجامعة أو خارجها يثبت جليا إرتباط هذا التيار بالنظام و قد جاءت تجربتهم في الحكم منذ 23 أكتوبر 2011 لتسقط عنهم ورقة التوت الأخيرة فقد واصلوا إنتهاج نفس السياسات الرجعية للنظام الحاكم منذ سنة 1956 و كانوا معادين كعادتهم لكل أشكال التحرر و القيم التقدمية .