mercredi 21 octobre 2015

مُعارضة... لكنَّها إرهابيّة وأميركيّة


غالبيَّة الأصوات التي ترتفع اليوم رافضةً التَّدخّل العسكري الرّوسي في سوريا لم تَكُن عاليةً بنفس الدَّرجة ، أو ربّما كانت غائبةً ، إزاء جلّ التّدخّلات الأجنبيّة العُدوانيّة في سوريا و ضدّها منذ أربع سنوات و نَيّف . و من أبرز هذه التّدخّلات عربدة طائرات العدوّ الصّهيوني في الأجواء السُّوريّة و قصفها لمواقع للجيش السُّوري في عدّة مناسبات و التي كانت أهمّها إعتداء القُنيطرة التي ردّ عليها حزب الله . أمَّا المحطّة الأخرى في مسار الحرب في سوريا ، التي أسقطت القناع عن هؤلاء ، فكانت سنة 2013 حين إقتربت البوارج الأمريكيَّة من سواحل سوريّة و هدّدت الولايات المتّحدة الأمريكيّة بعمليَّة عسكريّة واسعة لإسقاط النّظام بعد إتّهامه باستعماله الأسلحة الكيمياويّة في حلب . حينها أكل القطّ ألسنة كلّ هؤلاء و لم ينبسُوا ببنت شفة ، و كانت قلوبهم تخفق بسرعة فرحًا ب"المُخلّض الأمريكي". و لم يكتفُوا فقط بغضّ الطرف و إلتزام الصّمت بل إنَّ من بينهم من كان يلعَقُ الأحذية لدكّ دمشق مثل الإئتلاف اللاّوطني السّوري و حركة الإخوان المسلمين التي دعت بكلّ سفاقة ل"الجهاد ضدّ الرّوس الكفَّار".
حين قرّر التحالف الدولي بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكيّة البدأ في توجيه ضربات جويّة ضدّ داعش كان ذلك رئيسًا لاحتواء تمدّد التّنظيم الذي يُهدّد مصالحها خاصّةً في إقليم كردستان العراق ، و لم يكن الهدف القضاء على هذا التّنظيم . ثمّ تحوّل "القصف" الأمريكي في مرّات عديدة لعاملٍ مساعد من خلال تزويد المسلّحين بالذخيرة و العتاد.
التدخّل الرّوسي يختلف جذريّا عن تدخّل التحالف الدولي . أوّلا لأنّ الضَّربات الجوية الرّوسية دقيقة للغاية ، و تتجلّى فعاليّتها في التّقدم الميداني الذي يُحرزه الجيش السوري . و ثانيًا لأنّها لا تميّز بين التّنظيمات الإرهابيّة على عكس ضربات التحالف التي كانت أقرب للإستعراض منها للحرب على الإرهاب و إستَثنت عدّة تنظيمات إرهابيّة من قائمة بنك أهدافها . لهذه الأسباب تثُور ثائرة المعارضات اللاّوطنية المُرتبطة بالإمبريالية الأمريكية ، ذلك أنّ كلّ قصف يطَال إحدى مواقع الإرهابيين هو في الحقيقة قصفٌ يطَال أيضًا القوى السياسية التي تتّخِذ من التّنظيمات الإرهابيّة وسيلتها الميدانيّة لفرض صيغة لوقف الحرب تتماشى و تصوّراتها و تصوّرات الرّاعين الغربيين لها . إنّ هذا النّوع من المعارضة ، الذي يراهن على الوصول للحكم على ظهر الدبّابة الأمريكيّة ، هو جزء من الأزمة في سوريا و التّصدي لها لا يقلّ أهمّية عن التصدي للإرهاب . بل يمكن القول أنّ الحرب التي بدأت تأخذ نسقا هجوميّا من جانب الجيش السوري على الأرض بعد التّدخّل الرّوسي هي في الحقيقة حربٌ ضدّ الإرهابيين و حربٌ ضدّ السياسيين الذين يُندّدون بالإرهاب علنًا و ينسّقون معه سرًّا ، حيث أنّ هذه التَّنظيمات الإرهابيّة هي الأدوات الميدانيّة و ورقة الضّغط الوحيدة بيدها نظرا لكونها لا تملك إمتدادًا شعبيًّا في الوقت الحالي.
الولايات المتّحدة الأمريكيّة ستَعمل جاهدةً ليكون لهذه المعارضة العميلة دور هامّ في التّسوية السياسية المُرتقبة لما بعد الحرب ، و ستفاوض روسيا على هذا الأساس . سواءً كان للرئيس بشّار الأسد دورٌ في المرحلة الإنتقالية أم لم يكُن ، فإنّ مهمّة إختراق النّظام السّوري مَوْكُولةٌ بشكل رئيس لهذه المعارضة العميلة و لجماعات الإسلام السّياسي وليس عبر منصب رئاسة الجمهوريّة لسببين رئيسيّين : أوَّلا لأنّه لا يوجد إجماعٌ داخل فصائل هذه المعارضة على شخصيّة يُمكن الرّهان عليها ، و ثانيًا لأنّ روسيا لن تسمح بهذا الإختراق الذي يعني فقدان حليف إستراتيجي في المنطقة.
إنَّ مواجهة الإرهابيّين في ساحة القتال تتطلّب حسمًا بنفس الدّرجة في التّعامل مع المُعارضة التي توظِّف الإرهاب في ميدان السّياسة و التّفاوض . و إنَّ كلّ القوى السّياسيّة ، التي لا تعتبر وقف الحرب في سوريا عبر القضاء على الإرهاب هي الأولويَّة المُطلقة في هذه المرحلة ، هي جزء لا يتَجزّأ من تدمير البلد و المنطقة سواء عن حسن نيّة أو سوء نيَّة ، و لا يُمكن أن تكون قوّة للبناء في سوريا مُستقبلاً.
إنَّها مرحلة الحسم العسكري فلتتوضّح منها كلّ المواقف : إمّا مع إنهاء الحرب و المأساة السُّورية أو مع إدَامَتها.

----------------
وائل بنجدو 
http://www.al-binaa.com/?article=74506
جريدة البناء : 20/10/2015

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire